مع الانهيار المفاجئ لحكم بشار الأسد في سوريا، حققت المعارضة المسلحة أهدافها بعد 13 عاماً، في لحظة حاسمة من حرب حصدت أرواح مئات الآلاف، ونزح بسببها نصف السكان واستقطبت قوى خارجية.
وقد جاءت مراحل تطور الحرب في سوريا خلال السنوات الماضية على النحو الآتي: ففي عام 2011 انتشرت الاحتجاجات الأولى ضد الأسد سريعًا في أنحاء البلاد، وواجهتها قوات الأمن بالاعتقالات والرصاص، وحمل بعض المتظاهرين السلاح وانشقت وحدات عسكرية بالجيش مع تحول الاحتجاجات إلى انتفاضة مسلحة حظيت بدعم قوى خارجية.
وقع تفجير في دمشق هو الأول من نوعه نفذته جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة الجديد في سوريا، واجتمعت القوى العالمية في جنيف واتفقت على الحاجة إلى انتقال سياسي، لكن انقساماتها حول كيفية تحقيق ذلك، ثم وجّه “الأسد” القوات الجوية نحو معاقل المعارضة مع سيطرة المقاتلين على مزيد من الأراضي لتتصاعد الحرب مع وقوع ضحايا من الجانبين.
وفي 2013، ساعد “حزب الله” اللبناني نظام الأسد على تحقيق النصر في القصير، ليوقف زخم المعارضة المسلحة، ويظهر الدور المتزايد للجماعة المدعومة من إيران في الصراع، ثم حددت واشنطن استخدام الأسلحة الكيميائية خطًا أحمر، لكن هجومًا بغاز السارين على الغوطة الشرقية التي سيطرت عليها المعارضة قرب دمشق أودى بحياة عشرات المدنيين من دون أن يثير ردًا عسكريًا أمريكيًا.
ومع حلول عام 2014، سيطر تنظيم “داعش” فجأة على الرقة في الشمال الشرقي وعلى مساحات كبيرة في سوريا والعراق، واستسلم مسلحو المعارضة في حمص القديمة، ووافقوا على المغادرة إلى منطقة أخرى في أول هزيمة كبيرة لهم في منطقة حضرية كبرى، وهو ما مهد لاتفاقات “إخلاء” بعد ذلك.
وشكّلت واشنطن تحالفًا ضد “داعش”، وبدأت في تنفيذ ضربات جوية، مما ساعد القوات الكردية على وقف مد المتشددين، لكنه تسبب في توترات مع حليفتها تركيا.
وفي عام 2015 وبفضل تحسين التعاون والحصول على الأسلحة من الخارج، تمكنت الجماعات المعارضة من كسب المزيد من الأراضي والسيطرة على شمال غرب إدلب، وبات للمسلحين دور أكبر، ثم انضمت روسيا إلى الحرب لدعم الأسد بشن غارات جوية حولت دفة الصراع لصالح القوات الحكومية لسنوات لاحقة.
وبحلول عام 2016 ومع القلق من تقدم الأكراد على الحدود، شنّت تركيا عملية توغل مع جماعات المعارضة المتحالفة معها، مما أدى إلى إقامة منطقة جديدة تحت السيطرة التركية، وتمكن الجيش السوري وحلفاؤه من هزيمة المعارضة في حلب، وهو ما اعتبر آنذاك أكبر انتصار للقوات السورية في الحرب.
انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وبدأت محاولة تقديم نفسها في صورة معتدلة، فأطلقت على نفسها سلسلة من الأسماء الجديدة قبل أن تستقر في النهاية على هيئة تحرير الشام.
وفي 2017، قامت “إسرائيل” بشن ضربات جوية ضد “حزب الله” في سوريا؛ بهدف إضعاف القوة المتنامية لإيران وحلفائها، وتمكنت قوات مدعومة من الولايات المتحدة بقيادة الأكراد من هزيمة “داعش” في الرقة، وانتهى هذا الهجوم وهجوم آخر شنّه الجيش السوري بطرد التنظيم المتطرف من كل الأراضي تقريبًا التي استولى عليها.
وشهد عام 2018، استعادة الجيش السوري الغوطة الشرقية، قبل أن يستعيد سريعًا جيوبًا أخرى للمعارضة في وسط سوريا، ثم درعا معقلها الجنوبي، و2019 فقد داعش آخر معاقله في سوريا، وقررت الولايات المتحدة إبقاء بعض قواتها في البلاد لمنع الهجمات على حلفائها الأكراد.
وساندت روسيا هجومًا للقوات الحكومية في عام 2020 انتهى بوقف إطلاق النار مع تركيا، ليتجمد القتال عند معظم خطوط المواجهة، وسيطر القوات السورية على معظم الأراضي وجميع المدن الرئيسية، وسيطر المعارضون على الشمال الغربي، فيما سيطرت قوة مدعومة من تركيا على شريط حدودي، وسيطرت القوات التي يقودها الأكراد على الشمال الشرقي.
ومع وصول المشاهد لعام 2023، وقع هجوم حركة “حماس” على “إسرائيل” في السابع من أكتوبر، ليندلع قتال بين “إسرائيل” و”حزب الله” اللبناني يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليص وجود الجماعة في سوريا، وتقويض سيطرة الحكومة.
ويأتي المشهد الأخير في عام 2024 لتشن المعارضة هجومًا جديدًا على حلب، ومع تركيز حلفاء الأسد على مناطق أخرى، ينهار الجيش سريعًا، وبعد 8 أيام من سقوط حلب، يسيطر المعارضون على معظم المدن الكبرى ويدخلون دمشق ليسقط حكم الأسد.