في خطوة مفاجئة وصفت بأنها الأكثر جرأة في تاريخه السياسي، أعلن الرئيسُ الكوري الجنوبي “يون سوك يول” حالةَ الطوارئ في عموم البلاد، في محاولة يائسة للسيطرة على أزمة متفاقمة تهدد مستقبله السياسي. القرار الذي أعقبته احتجاجات شعبية عارمة وتحدٍّ غيرُ مسبوق من البرلمان انتهى بإلغاء الأحكام العرفية بعد ست ساعات فقط؛ ما جعله الأقصر عمرًا في تاريخ البلاد.
“يون سوك يول” المعروف بشخصيته الحادة وسرعة انفعاله، وجد نفسه محاطًا بالأزمات من جميع الاتجاهات؛ فإضراب الأطباء الذي استمر لعام كامل كان بمثابة مؤشر على موجة من الغضب الشعبي ضد سياساته الإصلاحية في قطاع الصحة، إلى جانب ذلك وجهت اتهامات متزايدة بالفساد وسوء استخدام السلطة إلى زوجته وأعضاء من حكومته؛ مما زاد من عزلته السياسية وأضعف ثقة الشارع الكوري به.
وفي مواجهة هذه التحديات ألقى “يون” خطابًا متلفزًا أعلن فيه الأحكام العرفية، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة كانت ضرورية لحماية البلاد من “القوى الموالية لكوريا الشمالية” و”المعادية للدولة”. إلا أن هذا القرار فجّر احتجاجات واسعة النطاق؛ حيث نزل الآلاف من المواطنين إلى الشوارع مرددين شعارات تطالب بعزله، بينما قام النواب، بمن فيهم أعضاء من حزبه، بإلغاء القرار بالإجماع في تصويت عاجل؛ وفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.
ارتباك سياسي
وقرار “يون” لم يقتصر على إثارة الغضب الشعبي فقط، بل أدى أيضًا إلى زعزعة الاستقرار السياسي داخل مؤسسات الدولة. في لحظات درامية تسلّق النواب جدران الجمعية الوطنية للانضمام إلى جلسة طارئة، في حين حاول الجنود المدججون بالسلاح دخول القاعة الرئيسية وسط مقاومة شرسة من العاملين في البرلمان.
وهذه التطورات دفعت “يون” للتراجع عن قراره سريعًا؛ حيث ظهر مرة أخرى على شاشات التلفزيون ليعلن إلغاء الأحكام العرفية. ومع ذلك كانت الأضرار قد وقعت بالفعل؛ حيث بات مستقبله السياسي مهددًا أكثر من أي وقت مضى.
وقرار الأحكام العرفية كشف عن عيوب عميقة في قيادة “يون”؛ حيث وصفه مراقبون سياسيون بأنه محاط بمستشارين لا يعارضونه؛ مما يجعله يتخذ قرارات بناءً على انفعالات لحظية. هذا النمط من القيادة لم يؤدِّ فقط إلى فشل إدارته في مواجهة الأزمات، بل عزّز شعورًا عامًّا بعدم الاستقرار السياسي في واحدة من أهم الديمقراطيات الآسيوية.
الانعكاسات الداخلية والخارجية
وما حدث في كوريا الجنوبية لن يكون تأثيره محدودًا داخل حدودها فقط، بل سيمتدّ ليشمل علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة مع كونها حليفًا رئيسيًّا للولايات المتحدة في آسيا.
بالنسبة للكوريين الجنوبيين، الذين عاشوا تجربة الانقلابات العسكرية وفترات الأحكام العرفية في الماضي؛ كانت هذه الأحداث بمثابة صدمة أعادت إلى الأذهان حقبة اعتقدوا أنهم تجاوزوها منذ عقود.
وعلى المستوى الدولي قد يؤدي الاضطراب السياسي الحالي إلى تقويض ثقة الحلفاء في قدرة كوريا الجنوبية على لعب دور مستقرّ وفعّال في منطقة مضطربة، خصوصًا في ظل التحديات الأمنية التي تفرضها كوريا الشمالية.
تلاشي الدعم
مع تصاعد الانتقادات من داخل حزبه والمعارضة على حد سواء، يبدو أن أيام “يون” في الرئاسة باتت معدودة. تحرك البرلمان، بما في ذلك أعضاء من حزبه، ضد قراره؛ كان رسالة واضحة بأن دعم النخبة السياسية له يتلاشى.
في المقابل يرى بعض المراقبين أن “يون” قد يحاول استعادة السيطرة من خلال إصلاحات جذرية، أو حتى تقديم تنازلات سياسية، لكن يبقى السؤال الأهم: هل سيكون ذلك كافيًا لاحتواء الغضب الشعبي وإعادة بناء الثقة؟
وبغضّ النظر عن الإجابة، ما حدث يمثل لحظة فارقة في تاريخ كوريا الجنوبية، ويشير إلى أن القيادة في الديمقراطيات لا تُبنى على القوة والسيطرة، بل على القدرة على الاستماع للشعب والتفاعل مع تطلعاته.