تشهد الولايات المتحدة اليوم (الثلاثاء) أحد أكثر الأحداث السياسية أهمية في تاريخها المعاصر، حيث تنطلق الانتخابات الرئاسية لعام 2024 لتحديد الرئيس السابع والأربعين ونائب الرئيس الخامس والخمسين للبلاد، تُعتبر هذه الانتخابات محورية على صعيد التنافس السياسي في الداخل ومؤثرة بشكل كبير على الساحة العالمية، وسط توقعات بتأثيرها على النظام الديمقراطي الأمريكي ومستقبل السياسة الدولية.
المرشحون الخمسة
وتخوض الانتخابات مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، 60 عامًا، الذي رشحها بعد انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق. هاريس، التي تطمح لدخول التاريخ كأول رئيسة للولايات المتحدة، وتتمتع بخبرة واسعة كعضوة سابقة في مجلس الشيوخ ومدعية عامة لولاية كاليفورنيا ومدينة سان فرانسيسكو.
في المقابل، يدخل دونالد ترامب، 78 عامًا، السباق بصفته مرشح الحزب الجمهوري، محاولاً العودة للبيت الأبيض بعد خسارته في انتخابات 2020. ترامب، الذي واجه محاكمات عديدة وكان أول رئيس يتعرض للعزل مرتين، يسعى لإقناع قاعدته الشعبية بقدرته على إعادة صياغة السياسة الأمريكية رغم الجدل المحيط به، خصوصًا بعد محاولتي اغتيال تعرض لهما في الصيف الماضي.
تشمل المنافسة أيضًا مرشحين من الأحزاب الصغيرة، مثل تشيس أوليفر، 39 عامًا، الذي يخوض السباق عن الحزب الليبرتاري، وجيل ستين، 74 عامًا، التي تعود للسباق بعد تجربتها السابقة مع الحزب الأخضر. كما يشارك كورنيل ويست، 71 عامًا، كمرشح مستقل يأمل في جذب الناخبين التقدميين الذين يميلون عادة للحزب الديمقراطي.
تصويت الناخبين
لم يعد يوم الانتخابات محصورًا في الخامس من نوفمبر فقط؛ فقد أصبح التصويت المبكر سواء بالبريد أو شخصيًا خيارًا شائعًا لدى ملايين الناخبين. فعلى سبيل المثال، شهدت ولايات مثل جورجيا وويسكونسن إقبالاً غير مسبوق في أول أيام التصويت المبكر، مما يعكس حماس الناخبين الكبير وأهمية الانتخابات هذا العام.
تسمح معظم الولايات بالتصويت المبكر لضمان مشاركة أكبر وتخفيف الضغط عن مراكز الاقتراع يوم الانتخابات. ويعتبر التصويت الغائب، سواء بالبريد أو من خلال صناديق الاقتراع الآمنة، من أهم الأدوات التي يلجأ إليها الناخبون، خاصة العسكريين والناخبين المقيمين في الخارج.
القضايا المحورية
تشمل القضايا الرئيسية التي تحكم السباق الانتخابي هذا العام: الإجهاض، الذي يثير جدلاً واسعًا منذ إلغاء حكم “رو ضد ويد” في 2022. تسعى هاريس إلى استغلال هذا الملف لدفع الناخبين نحو تأييدها من خلال وعود بتشريع قانون يحمي الحقوق الإنجابية. أما ترامب، فيتبنى موقفًا متحفظًا يعتبر القضية شأنًا للولايات ويعارض الحظر الوطني، وفقاً لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
أما الديمقراطية فتظل موضوعًا حساسًا في ظل ما يعتبره الديمقراطيون تهديدًا من جانب ترامب، خاصة بعد أحداث اقتحام الكونغرس في 6 يناير 2021. هاريس حذرت من مخاطر إعادة انتخاب ترامب، متهمة إياه بالتوجه نحو السلطوية. بينما رد ترامب بانتقاد هاريس واعتبارها الخطر الحقيقي على الديمقراطية، مشيرًا إلى قضايا الرقابة المزعومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، يبرز الاقتصاد كقضية حيوية رغم الأداء القوي الذي سجله في السنوات الأخيرة. تَعِد هاريس بخفض الضرائب عن الطبقة المتوسطة وتحقيق استقرار اقتصادي يشمل الإسكان وحقوق العاملين، بينما يروج ترامب لتخفيضات ضريبية شاملة وتعريفات جمركية لحماية الاقتصاد المحلي.
الولايات المتأرجحة
ستكون المعركة الانتخابية حامية الوطيس في ولايات مثل أريزونا وميشيغان وبنسلفانيا، التي من المتوقع أن تكون حاسمة في تحديد الفائز. وقد أظهرت استطلاعات الرأي حتى الآن تقدمًا طفيفًا لترامب في بعض الولايات مثل جورجيا وميشيغان، بينما تتقدم هاريس في ولايات أخرى مثل نيفادا وبنسلفانيا.
بناءً على نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة، يبقى السباق متقاربًا، ما يزيد من الترقب والتوتر في الأوساط السياسية والإعلامية، مع اقتراب موعد الحسم في يوم الانتخابات.
وعلى الرغم من الانتقادات التي تعرضت لها صناعة استطلاعات الرأي في الانتخابات السابقة، تُجرى توقعات هذه المرة بحذر أكبر. قد تكون الاستطلاعات وسيلة لفهم التوجهات العامة، لكنها ليست ضمانًا للنتيجة النهائية.
والانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 تمثل اختبارًا قويًا للديمقراطية الأمريكية ولتوجهات الشعب الأمريكي في ظل ظروف اقتصادية وسياسية معقدة. ومع تقدم الوقت، تزداد التساؤلات حول من سيتمكن من حسم المعركة لصالحه والفوز بثقة الناخبين.
الاهتمام الدولي
الاهتمام بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 ليس محصورًا فقط داخل الولايات المتحدة؛ بل يمتد إلى مستوى عالمي، حيث تترقب الدول الكبرى والاقتصادات العالمية ما ستؤول إليه هذه الانتخابات وتأثيرها على السياسة الخارجية الأمريكية.
وتتباين مواقف هاريس وترامب بوضوح عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية. هاريس تسعى إلى تعزيز تحالفات أمريكا التقليدية وإعادة دور الولايات المتحدة كقائدة للنظام الدولي، بما في ذلك دعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي ومواصلة الضغط على الصين فيما يتعلق بحقوق الإنسان وقضايا تايوان. في المقابل، يتبنى ترامب نهجًا قوميًّا يركز على “أمريكا أولاً”، مما يعني إعادة النظر في العديد من التزامات الولايات المتحدة الدولية وتقليل الإنفاق العسكري الخارجي.
كما يسود القلق لدى حلفاء الولايات المتحدة حول ما إذا كان ترامب سيعود إلى سياساته المتشددة، مثل فرض العقوبات التجارية على الدول المنافسة أو الانسحاب من اتفاقيات دولية مثل اتفاقية المناخ في باريس. فيما تشير هاريس إلى ضرورة تعزيز الجهود الدولية لمواجهة التغير المناخي وتقوية الروابط الدبلوماسية مع حلفاء واشنطن في الناتو والاتحاد الأوروبي.
وتظل العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط من النقاط الحساسة، خاصة في ظل استمرار الملفات الساخنة مثل الملف النووي الإيراني والقضية الفلسطينية. تشير تحليلات المراقبين إلى أن هاريس قد تكون أكثر ميلًا للتنسيق مع الحلفاء التقليديين في المنطقة ودعم المبادرات الدبلوماسية لحل النزاعات، بينما قد يعود ترامب إلى نهجه الصارم الذي ظهر في ولايته السابقة، متبنيًا سياسات الضغط الأقصى على إيران.