حكم ديوان المظالم بالرياض أمس لمريض الإيدز “أ.ص.ع” (٣٨ عاماً) بتعويض قدره ٣٠٠ ألف ريال غرامة عن خطأ طبي ارتكبه مستشفى تابع لإحدى الجامعات – تحتفظ “احد المصادر” باسمه – قبل سنوات عدة، حين كان سن المريض قرابة ثماني سنوات، وذلك بحقنه بدم مُلوث بمرض الإيدز والتهاب الكبد.
وتعود تفاصيل الواقعة المؤلمة إلى أن المريض كان يعالَج من مرض الهيموفيليا (الناعور)، وكان عمره آنذاك ثماني سنوات، وكان يأخذ جرعات دم، وكان المستشفى قد استقبل كميات دم ملوث من دول عدة، وتم حقن الشاب بإحداها خطأً، ولم يُخبروه بما أصابه.
وبعد 15 عاماً عندما تدهورت حالته، وأُصيب بأمراض، منها التهاب السحايا والسل الرئوي وغيرها، أخطروه بأنه مُصاب بالإيدز، وأن المرض نُقل له بالخطأ؛ ما سبب له صدمة نفسية، واعتزل الناس، وأصبح شارد الذهن، ومُنع من الزواج ومن الصلاة مع الجماعة.
ولجأ الشاب للقضاء أملاً بإنصافه من أوجاع سنوات وخطأ عزله عن مجتمعه الخارجي، وكتب في شكواه أن المستشفى نقل له الدم، ولم يُخبره إلا بعد 15 عاماً بشهادة الدكتور المعالج، وكتب كذلك نقلاً عن مجلة البحوث الإسلامية: “وبما أن السعودية كانت تستورد الدم الملوث بفيروس الإيدز من بريطانيا وأمريكا حتى عام ١٩٨٣م، فإن كثيرين ممن تلقوا هذا الدم الملوث أُصيبوا بالإيدز، أو يحملون فيروس الإيدز. وربما أن هؤلاء المصابين بالإيدز أو الحاملين له يطلبون تعويضاً في الولايات المتحدة وأوروبا، وتقوم المحاكم هناك بإعطاء المصاب بالإيدز نتيجة نقل الدم تعويضاً يبلغ مليون دولار ويزيد، فإن من حق من أصيبوا به في السعودية ودول الخليج نتيجة الدم الملوث أن يطالبوا المستشفيات بهذه المبالغ، كما أن من حق المستشفيات أن تطلب هذه المبالغ من المصادر التي مولتها بهذا الدم الملوث، وهي مبالغ تصل إلى آلاف الملايين من الدولارات، التي ينبغي أن نطالب بها أمريكا وبريطانيا”.
وقد رفضت المحكمة الإدارية قبول دعواه لتجاوزها المدة المحددة لقبولها؛ فرفع للديوان الملكي، وأحالها للشرع لفتحها والنظر بها، وفعلاً قُبلت، وحُدد لها جلسة، وكان ذلك عام ١٤٣١هـ.
وعندها حضر فريق الدفاع عن المستشفى، وحضر الوكيل عن المريض (مكتب المستشار القانوني زبن العتيبي)، الذي قدّم كل ما يدين خصم موكله وما تعرض له من خطأ جسيم لا يُغتفر وتحايل المستشفى وعدم إخبارهم المريض عندما نُقل له الدم المُلوث، وتكتموا عليه قرابة 15 عاماً، حاول المستشفى الهروب من المسؤولية بأن المريض راجع مستشفيات عدة، وكيف أن المرض لم يُكتشف إلا بعد 15 عاماً، فرد عليهم المستشار بأن جسد الإنسان يمكن أن يصاب بالإيدز ولا يعلم إلا بعد سنوات.
وبين أخذ ورد بين الخصوم لم يُبت في القضية لصعوبة تفاصيلها!
واستمرت الجلسات، ولم يصدر الحكم النهائي زهاء أربع سنوات، والجلسات تمتد وترهق المريض، وفي آخر خمس جلسات تغيب ممثلو المستشفى، وبعد إلحاح من وكيل الضحية في آخر جلسة أمس حكم الشيخ بتعويض المتضرر بمبلغ ٣٠٠ ألف ريال؛ ما تسبب بالصدمة للمريض والمستشار القانوني؛ فأخذ يبكي من هول ما سمعه من حكم لم يُشفه.
ومن جانبه، قال الوكيل المستشار القانوني زبن العتيبي: “بذلت قصارى جهدي، وأنا باقٍ على متابعة القضية، حتى تكتسب القطعية، وهدفي رفع قضية هذا الشاب عندما انهمرت دموعه ظلماً وعجز عن أخذ حقه إلى الملك الحنون خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وهو صاحب الشأن”.
وأردف: “فوجئنا أمس بالحكم بتعويض موكلي بمبلغ زهيد مقارنة بحجم المعاناة التي لحقت به من أضرار نفسية وجسدية، فرفضنا الحكم؛ لعلنا نردع مثل هذه المستشفيات المتساهلة بحياة البشر”.
وانتقد غياب ممثلي المستشفى في الجلسات الأخيرة، وعدم مراعاتهم ظروفه النفسية، وكأن ما فعلوه بحقه أمر يسير.
وناشد وزير العدل النظر في القضية، وتشكيل فريق قضاة يُنصف المريض الذي ضاع عمره بلا ذنب، ولم يعش حياته مثل أقرانه.