ظل قائد حركة “حماس” إسماعيل هنية، الذي اغتيل في إيران، الوجه الصارم لـ”حماس” في الدبلوماسية الدولية، بينما كانت الحرب مستعرة في غزة، حيث قُتل ثلاثة من أبنائه في غارة جوية إسرائيلية، وعلى الرغم من الخطاب المتشدد، اعتبره الكثير من الدبلوماسيين معتدلًا مقارنة بأعضاء الجناح المتشدد للحركة داخل غزة.
وعُيّن “هنية” في منصب القيادة العليا لحركة “حماس” في عام 2017، وانتقل بين تركيا والدوحة عاصمة قطر؛ هربًا من قيود السفر المفروضة على قطاع غزة المحاصر، مما مكّنه من العمل كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار.
وفي مايو الماضي، طلب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، إصدار أوامر اعتقال لثلاثة من قادة “حماس، بمن فيهم “هنية”، وكذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، عقب هجوم 17 أكتوبر الذي شنته “حماس” على “إسرائيل”، وفجر حرب غزة.
ودعا ميثاق “حماس” التأسيسي لعام 1988 إلى تدمير “إسرائيل”، على الرغم من أن قادة “حماس” عرضوا في بعض الأحيان هدنة طويلة الأمد مع “إسرائيل” مقابل دولة فلسطينية قابلة للحياة على جميع الأراضي الفلسطينية التي احتلتها “إسرائيل” في حرب 1967.
استمرار الكفاح
وفي عام 2012، عندما سُئل “هنية” من قبل “رويترز” عما إذا كانت “حماس” قد تخلّت عن الكفاح المسلح، أجاب: “بالطبع لا”، وقال: “إن المقاومة ستستمر بجميع أشكالها؛ المقاومة الشعبية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية”.
وأعلنت “حماس” مقتل ثلاثة من أبناء هنية (حازم وأمير ومحمد) في 10 أبريل عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية السيارة التي كانوا يستقلونها، مما أدى أيضًا إلى مقتل أربعة من أحفاد “هنية”، ثلاث فتيات وصبي، في الهجوم.
ونفى “هنية” المزاعم الإسرائيلية أن أبنائه كانوا مقاتلين في الحركة، وقال: “إن مصالح الشعب الفلسطيني تُقدّم على كل شيء آخر”، عندما سُئل عما إذا كانت وفاتهم ستؤثر على محادثات الهدنة، قال: “كل شعبنا وجميع عائلات سكان غزة دفعوا ثمنًا باهظًا بدماء أبنائهم، وأنا واحد منهم”، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن 60 من أفراد عائلته قُتِلُوا في الحرب.
ومع ذلك، وعلى الرغم من اللغة الصارمة في العلن، رأى الدبلوماسيون والمسؤولون العرب أن “هنية” عملي نسبيًا مقارنة بالأصوات الأكثر تشددًا داخل غزة، حيث خطط الجناح العسكري لحركة حماس لهجوم 7 أكتوبر، وبينما كان يقول للجنود الإسرائيليين إنهم سيجدون أنفسهم “يغرقون في رمال غزة”، كان هو وسلفه كزعيم لـ”حماس” خالد مشعل، يتنقلان في المنطقة لإجراء محادثات حول اتفاق لوقف إطلاق النار بوساطة قطرية مع “إسرائيل” يشمل تبادل الأسرى مقابل الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى المزيد من المساعدات لغزة.
بناء القدرات
وتعتبر “إسرائيل” قيادة “حماس” بأكملها “إرهابية”، واتهمت “هنية” و”مشعل” وغيرهما بمواصلة “تحريك خيوط منظمة حماس الإرهابية”، ولكن ليس من الواضح مدى معرفة “هنية” مسبقًا بهجوم 7 أكتوبر، وكانت الخطة، التي وضعها المجلس العسكري لـ”حماس” في غزة، سرية للغاية، لدرجة أن بعض مسؤولي “حماس” بدوا مصدومين من توقيتها وحجمها.
ولعب “هنية” دورًا رئيسيًا في بناء قدرات “حماس” القتالية، وجزئيًا من خلال رعاية العلاقات مع إيران، التي لا تخفي دعمها للجماعة، وخلال العِقد الذي قضاه “هنية” كزعيم أعلى لـ”حماس” في غزة، اتهمته “إسرائيل” وفريقه القيادي بمساعدة تحويل المساعدات الإنسانية إلى الجناح العسكري للجماعة، ونفت “حماس” ذلك.
وعندما غادر “هنية” غزة في عام 2017، خلَفه يحيى السنوار، وهو متشدد قضى أكثر من عِقدين في السجون الإسرائيلية، والذي رحّب به “هنية” في غزة في عام 2011 بعد تبادل الأسرى.
وأوضح أستاذ الشؤون الفلسطينية بجامعة قطر أديب زيادة أن “هنية” كان يقود المعركة السياسية لحركة “حماس” مع الحكومات العربية، وأنه كان على صلة وثيقة بالشخصيات الأكثر تشددًا في الحركة، وجناحها العسكري، واصفًا إياه بأنه “الواجهة السياسية والدبلوماسية لحركة حماس”.
وعندما كان شابًا، كان “هنية” ناشطًا طلابيًا في الجامعة الإسلامية في مدينة غزة، وانضم إلى “حماس” عندما تم إنشاؤها خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987، وتم اعتقاله وترحيله لفترة وجيزة.
وبحلول عام 2003، كان “هنية” مساعدًا موثوقًا لمؤسس حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين، حيث تم تصويره في منزل “ياسين” في غزة وهو يمسك الهاتف إلى أذن مؤسس “حماس” المشلول تقريبًا حتى يتمكن من المشاركة في المحادثة، واغتالته “إسرائيل” في عام 2004.
وكان “هنية” من أوائل الداعين إلى دخول “حماس” في السياسة، وفي عام 1994، قال: “إن تشكيل حزب سياسي سيمكّن حماس من التعامل مع التطورات الناشئة”، وعلى الرغم من معارضة قيادة “حماس” في البداية، تمت الموافقة على الاقتراح لاحقًا، وأصبح هنية رئيسًا للوزراء الفلسطيني بعد فوز الجماعة في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية عام 2006، بعد عام من انسحاب “إسرائيل” العسكري من غزة.