في أول تحقيقٍ لوكالة الأنباء “الأسوشيتد برس” عن فيروس “كورونا” واحتمالية انتشار المرض عن طريق الحج، وتناقلته وسائل الإعلام العالمية، انتقدت الوكالة ضعف السلطات الصحية وعدم وجود خططٍ واضحة للتصدّي للفيروس في موسم الحج، مستشهدةً بغياب الملصقات التحذيرية عن الفيروس في المطارات، وخاصة مطار جدة الدولي، وفي الحرم المكي، وانتقدت عدم وجود أيّ معلوماتٍ توجيهية أو برامج تحذّر من المرض في الأماكن العامة في مكة المكرّمة وفي ساحات الحرم، واستغربت عدم وجود أيّ توجيهاتٍ أو إشاراتٍ عن المرض في موقعَي وزارة الحج، ووزارة الصحة السعودية، وهما المعنيتان بخدمة حجاج بيت الله الحرام.
كما سلّطت الوكالة الضوء على المنشآت الصحية في مكة، وعدم قدرتها على التصدّي لهذا الفيروس القاتل في موسم الحج.
وقالت الوكالة: “إن المسؤولين في المملكة العربية السعودية يرفعون الإنذار بأن المملكة العربية السعودية لا تفعل ما يكفي لمنع مكة المكرّمة من أن تصبح موقعاً وطريقاً لتصدير فيروس الجهاز التنفسي القاتل بين ملايين من المسلمين القادمين من مختلف أنحاء العالم والذين يتجمّعون في المدينة لأداء الحج”.
وأضاف التقرير: إن السعودية تكافح لاحتواء تصاعد الإصابات من التهاب رئوي الشرق الأوسط أو “ميرز”، حيث شهدت البلاد معظم الإصابات في جميع أنحاء العالم حتى الآن، أكثر من 500 اصابة منذ عام 2012، و خلال الأسابيع الماضية تسارعت الأرقام مع عديد من الوفيات المبلغ عنها كل يوم تقريباً، والإصابات الجديدة في كثير من الأحيان في خانة العشرات.
وتابع التقرير: حتى الآن مكة المكرّمة، القريبة من ساحل البحر الأحمر الغربي، شهدت حالات أقل من مناطق أخرى في المملكة العربية السعودية، ومنذ اكتشاف أول حالة لفيروس “كورونا” في عام 2012، كان هناك موسمان من الحج السنوي إلى المدينة، ولا توجد حالات إصابة بين الحجاج، حيث كانت بعض الحالات التي ظهرت خارج المملكة العربية السعودية، من بينهم اثنان في الولايات المتحدة، من الأجانب العائدين إلى ديارهم من العمل في المملكة أو من السعوديين المسافرين إلى الخارج”.
وبارتفاع عدد الحالات المصابة في المملكة، ما يقلق هو عدم وجود ما يكفي من الاحتياطات المتخذة في مكة المكرّمة، وهي نقطة ساخنة محتملة وواضحة لانتشار المرض بحسب التقرير.
ويقول خبراء: تحتاج وزارة الصحة السعودية إلى أن تتحرّك بشكل أسرع لخلق مزيد من الوعي العام، وتعزيز الاختبارات والتحاليل بشكل أكثر صرامة في المستشفيات واتخاذ الاحتياطات الأفضل بين الطاقم الطبي، الذين يشكلون نسبة كبيرة من المصابين بسبب الأحوال غير الصحية داخل المنشآت الصحية.
وأضاف التقرير: مكة تشهد تدفقاً مستمراً من المعتمرين على مدار العام من جميع أنحاء العالم، وتتضخم أعدادهم خلال شهر رمضان المبارك، الذي يبدأ في أواخر يونيو.
أما موسم الحج – الذي يؤكّد الإسلام أنه واجب على جميع المسلمين القادرين على أدائه مرة واحدة في حياتهم، فهو يجلب حشوداً أكثر ضخامة حوالي مليونَيْ حاج من جميع أنحاء العالم، ويجتمعون في أماكن ضيقة؛ لأنها زيارة إلى الكعبة أقدس موقع في الإسلام، وغيرها من المواقع حول مكة المكرّمة، حيث تستمر الزيارة نحو خمسة أيام وسيبدأ حج هذا العام في أوائل أكتوبر.
وأشار التقرير إلى أن معظم الحجاج الدوليين القادمين إلى مكة المكرّمة يأتون عبر أقرب مطار دولي في المدينة الساحلية في جدة، التي شهدت أكبر عددٍ من الحالات، ومع ذلك لا توجد ملصقاتٌ في المطار أو المسجد الحرام تحذّر من الفيروس أو إعطاء الزوّار معلومات عن كيفية منع انتشاره، وكان ذلك واضحاً خلال زيارة قام بها أخيراً مراسل “أسوشيتد برس” عبر مطار جدة، وفي المسجد الحرام حيث يطوف حجاج بيت الله الحرام.
وأضاف التقرير: موقع وزارة الحج، الذي يزوره الكثير من الحجاج الدوليين للحصول على معلومات، لا يذكر الفيروس، أو يحث على عمل احتياطاتٍ خاصّة، وموقع وزارة الصحة ينصح الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، والأطفال تحت سن 12 الذين يعانون أمراضاً تأجيل حجهم.
وزاد التقرير: منذ بداية أبريل، شهدت مكة المكرّمة 21 حالة مؤكدة جديدة، بما في ذلك حالة واحدة من الحجاج الأتراك، وأربع وفيات خلال الفترة الزمنية نفسها، حيث كانت هناك 114 إصابة جديدة في جدة و23 حالة وفاة، وشهدت آسيا أول حالة وفاة بسبب الفيروس في الشهر الماضي، عندما قام رجل من ماليزيا برحلة للحج إلى مكة المكرّمة وعبر من جدة في مارس حيث عاد ووجد أنه قد أُصيب بالعدوى.
ولفت التقرير إلى أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، قام باستبدال وزير الصحة، الشهر الماضي، في علامةٍ على الاستياء من الجهود للحد من انتشار الفيروس، وزار الوزير الجديد عادل فقيه، العاملين في مجال الصحة في جدة، وقال لهم: “الفيروس ينتشر بين العاملين في المجال الطبي؛ لأن المستشفيات لا تتخذ تدابير في مكافحة العدوى”.
ووفقاً لإسماعيل محمد وهو مدير لمستشفى في مكة: قد تمّ تجهيز منشاة طبية واحدة فقط في مكة المكرّمة هي مدينة الملك عبد الله الطبية للتعامل مع الحالات المصابة بالفيروس.
وأضاف إسماعيل محمد في تصريحاتٍ للوكالة: “تعتبر مكة المكرّمة تقريباً حرة من الفيروس، لكنه حذّر من الخطوات التي يتعين اتخاذها لضمان أنها لا تزال كذلك، وكانت سياسة الحكومة إلى حد كبير تعتمد فقط على رد الفعل، وهناك حاجة إلى مزيد من تثقيف المريض وليس هناك حتى الآن أي توجه عام في سياسة مكافحة الفيروس تجاه حجاج بيت الله الحرام”.
وأوضح عدنان البار، الذي خدم لسنوات في منصب مدير الصحة العامة في مكة المكرّمة، أنه ينبغي تحديث وزارة الصحة لتصبح أقل بيروقراطية لأن البنية التحتية الطبية في مكة تحتاج إلى تحوّل سريع، وبالفعل لم يكن لدينا ما يكفي من المرافق لتقديم الرعاية الصحية الأولية للحجاج.
وأضاف “البار”: إن نظام الرعاية الصحية الحالي في مكة المكرّمة لا يغطي نصف الخدمات اللازمة، ولحُسن الحظ الفيروس ليس معدياً للغاية، وقد لُوحظ انتشاره من شخصٍ إلى شخصٍ فقط في اتصالات وثيقة، مثل أفراد الأسرة أو العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يهتمون بالأشخاص المصابين.
وفي السياق ذاته بحسب التقرير قالت منظمة الصحة العالمية الأربعاء، إن الفيروس لا يشكل حتى الآن حالة طوارئ صحية عالمية، في جميع أنحاء العالم ومنظمة الصحة العالمية لديها تأكيدات عن 572 حالة على الأقل، بما في ذلك 173 حالة وفاة، حيث كانت الأغلبية العظمى في المملكة العربية السعودية، 160 وفاة و514 حالة مؤكدة منذ عام 2012، وفقاً لأرقام الحكومة.
والفيروس غالباً ما يبدأ بأعراض تشبه الإنفلونزا ولكن يمكن أن يؤدي إلى الالتهاب الرئوي، ومشكلات في التنفس وفي الحالات الشديدة الفشل الكلوي والموت، والعلماء غير متأكدين بالضبط كيف يمكن للناس أن تُصاب بهذا المرض لكنهم يشكون بارتباط المرض بالإبل.
وقالت شريهان مفتي، حاجة مصرية وهي تبلغ من العمر 61 عاماً ارتدت قناعاً جراحياً أزرق وهي تطوف حول المسجد الحرام الذي يضم الكعبة المشرّفة، حيث الزيارة الأولى لها لمكة المكرّمة، وأرادت أن تكون حذرة، لكنها تقول الفرصة للصلاة في باحة الكعبة تبدّد أي مخاوف حول الفيروس، وأضافت متسائلة: “هل هناك أي شيء أكثر جمالاً بعد هذا؟ آمل أن أتي كل عام”.