– الدولة السعودية منذ تأسيسها لوقتنا الراهن دولة عربية صافية حكامًا وشعبًا.
– يوم التأسيس استحضار للعمق التاريخي وإبراز للإرث الحضاري والسياسي لبلادنا.
– إعادة قراءة التاريخ وتحليل الأحداث ومقارنتها بالوقائع تُعد أساس الدراسات التاريخية الرصينة.
– مفهوم دولة المدينة city state هو مفهوم يوناني قديم يعود لعصور قبل الميلاد.
– مساعي التمدد والتوسع السياسي لبناء الدولة راودت أمراء الدرعية منذ تأسيسها.
– الإمام محمد بن سعود استطاع تثبيت الأمن والاستقرار في نجد وغرس مفهوم الوحدة.
– للمرأة دور بارز في “مجتمع التأسيس” وصفحات التاريخ خلّدت شواهد نسائية كثيرة.
– الإمام محمد بن سعود كان يستشير زوجته “موضي بنت أبي وهطان” في شؤون الدولة.
– بلادنا تنعم بالاستقرار والازدهار تحت قيادة خادم الحرمين وولي عهده الأمين.
تقول دكتورة منال بنت عواد المريطب، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الملك عبدالعزيز: إن الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م، وحتى وقتنا الراهن؛ دولة عربية صافية بحكامها وشعبها؛ إذ لم تطأها قدم أجنبية معتدية إلا ودحرتها.
وتكشف في ثنايا الحوار مع “سبق” عن الهدف من يوم التأسيس، وسر اختيار يوم 22 فبراير بالذات للاحتفال بالمناسبة الغالية، والفارق بينه وبين اليوم الوطني الكائن يوم 23 سبتمبر.
وتأخذنا الدكتورة الحاصلة على جائزة خادم الحرمين الشريفين لدراسات وبحوث الجزيرة العربية، إلى أعماق التاريخ لتبحث في إرهاصات ومساعي تأسيس الدولة السعودية قبل نحو 3 قرون، والظروف التاريخية التي صاحبت ذلك.
كما تُبَين لنا مظاهر الحياة في المجتمع السعودي حينذاك، ودور المرأة الحيوي إلى جوار الرجل في “مجتمع التأسيس”، وأبرز هؤلاء النساء الذين شكلوا المجتمع.
ولا تغفل “المريطب” عن إلقاء الضوء على مظاهر الازدهار التي يعيشها المجتمع السعودي في الوقت الراهن تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين -حفظهما الله- وكامتداد طبيعي للدولة التي أسسها الإمام محمد بن سعود.
فإلى مزيد من التفاصيل:
المناسبات الوطنية ودورها
١- تحتفل المملكة باليوم الوطني في 23 سبتمبر وبيوم التأسيس يوم 22 فبراير.. هلا أوضحتِ للقارئ الفارق بين المناسبتين الوطنيتين؟
بدايةً لا بد من الإشارة إلى أن هذه المناسبات، هي مناسبات جليلة في تاريخ الوطن فهي تبرز محطات ومراحل الكفاح التي بذلت في سبيل استقرار ووحدة بلادنا الحبيبة: إن يوم التأسيس ٢٢ فبراير هو اليوم الذي تأسست فيه الدولة السعودية على يد الإمام محمد بن سعود، وبه وُضِعت لَبِنَات الحكم السعودي المجيد الذي امتد على أطوار ثلاثة، أما اليوم الوطني في ٢٣ سبتمبر فهو اليوم الذي وحد فيه الملك عبدالعزيز آل سعود المملكة العربية السعودية في هذا البناء الشامخ المعاصر الذي نرفل بأمنه وننعم بخيراته اليوم.
٢- ما هي أهداف يوم التأسيس؟ ولماذا تم إقراره؟
تكمن أهمية يوم التأسيس في أنه استحضار للعمق التاريخي، وإبراز للإرث الحضاري والسياسي لبلادنا، ولا شك في أن استذكار هذه المناسبات التاريخية وإبرازها إعلاميًّا يعمّق من الانتماء الوطني، والاحتفاء بها يزيد من الوعي التاريخي بمسيرة بلادنا العاطرة.
٣- كما نعلم فقد تولى الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية في عام 1727م، وهو التاريخ الذي بدأ فيه تأسيس الدولة.. فلِمَ تم تحديد يوم 22 فبراير بالذات كيوم للتأسيس والاحتفال بالمناسبة؟
لنعود هنا للتاريخ قليلًا، فقد حدثت في النصف الأول لعام 1139هـ أحداث تاريخية هامة؛ منها معارضة الأمير مقرن بن محمد لحكم الأمير زيد بن مرخان، ومحاولته الوصول إلى الحكم وفشله، ومنها كذلك محاولة حصار بلدة العيينة، ثم مقتل الأمير زيد بن مرخان، وفي ظل غياب التدوين التاريخي الدقيق لتلك الحقبة، وللجمع بين تلك الأحداث في حقبة متزامنة؛ تم ترجيح تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في منتصف هذا العام، ومقاربته ليوم ٣٠/ ٦/ ١١٣٩هـ الذي يوافق ٢٢/ ٢/١٧٢٧م.
٤- أعطت رؤية 2030 أهمية بارزة للهوية الوطنية.. كيف يترجم الاحتفال بيوم التأسيس ذلك؟
يوم التأسيس هو تعميق للهوية التاريخية والجذور العميقة للدولة السعودية، وهو أحد اهتمامات رؤية ٢٠٣٠، والمتتبع لمكتسبات العامين الماضيين عقب إعلان يوم التأسيس؛ يدرك أن استحضار المناسبات الوطنية والتغني بالمآثر التاريخية، والدعم الإعلامي الواسع لها؛ يبلور هوية النشء الوطنية بصورة عميقة، ويعمق في الوقت ذاته توجهات الانتماء والولاء للوطن، فكلما زاد وعي الشباب بتاريخ وأمجاد وطنهم؛ زاد اعتزازهم وولاؤهم للوطن، ونحن نعايش اليوم ونرى هذا الإنجاز تحقق بصورة لافتة، فبعد الإعلان عن يوم التأسيس قبل عامين ازداد إلمام ومعرفة الشباب والمجتمع بكافة أطيافه بجوانب تاريخية كانت مغمورة ومجهولة في تاريخ بلادنا.
جذور التأسيس وإرهاصاته
٥- كإرهاصات أو تمهيد لتأسيس الدولة السعودية في حقبة تالية أسس الأمير مانع المريدي في عام 850هـ/ 1441م خلال حكمه للدرعية ما يُعرف بالمدينة الدولة city state.. هل يمكننا تبسيط المفهوم وإيضاحه أكثر؟
إن مفهوم دولة المدينة city state هو مفهوم يوناني قديم يعود لعصور قبل الميلادي، تَمثل في مدن يونانية تاريخية شهيرة منها أثينا وإسبرطة ومقدونيا، وهذه المدن كانت آنذاك تعد دويلة صغيرة لها كيانها السياسي المستقل، ولو قربنا الصورة أكثر لشبه الجزيرة العربية؛ نجد أن مكة المكرمة كانت كذلك، وحتى يثرب كانت لها ذات الصفة وكانت ذات كيان سياسي مستقل؛ لذا كانت مقصد هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من مكة المكرمة، والدرعية أحد تلك النماذج للمدينة الدولة؛ إذ إنها كانت منذ تأسيسها على يد مانع المريدي تمتاز بمكانة سياسية واقتصادية بارزة في نجد.
٦- كان حلم بناء دولة عربية في جزيرة العرب يراود بعض العقلاء؛ وذلك لما اعترى هذه المنطقة الجغرافية من الإهمال خلال قرون عديدة.. فهل يمكن القول إن المدينة الدولة (الدرعية)، كانت الأساس لمفهوم الدولة القابلة للتوسع مع الأيام؟ وما معطيات ذلك؟
إن مساعي التمدد والتوسع السياسي لبناء الدولة راودت أمراء الدرعية منذ تأسيسها؛ فكان الحكم السياسي منظمًا بين أفراد أسرة آل سعود وانتقل بسلاسة بينهم، واكتمل الحلم ونضج بتولي الإمام محمد بن سعود الحكم فانطلقت بتوليه الدرعية في امتداد سياسي حقق الوحدة الفريدة للدولة السعودية لتشمل معظم مناطق شبه الجزيرة العربية.
٧- ذكر المؤرخ راشد بن علي بن جريس، الذي عاش في القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي، كلامًا مؤداه أن فكرة إنشاء دولة عربية في جزيرة العرب كانت واضحة للأمير مانع المريدي ومن بعده أبناؤه وأحفاده.. فكيف انعكس ذلك على تأسيس الدولة تحت حكم الإمام محمد بن سعود بعده بنحو 3 قرون؟
كانت الدرعية بطبيعة الحال تتمدد وتتقلص وفق ظروفها السياسية، وهذا أمر وارد في حال الإمارات والدول؛ لذلك حينما تولى الإمام محمد بن سعود الحكم، أدرك بحنكته السياسية ملابسات تلك الظروف ومعطياتها على أرض الواقع، فعمل على تثبيت حكمه في الداخل، وحماية بلاده من أي تهديد خارجي، وكانت الدولة السعودية منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا دولة عربية صافية بحكامها وشعبها؛ إذ لم تطأها قدم أجنبية معتدية إلا ودحرتها.
تأسيس الدولة
٨- تحدثت عددًا من المصادر التاريخية عن المبايعة في الدرعية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب عام: 1157هـ/ 1744م كتاريخ لتأسيس الدولة السعودية الأولى.. فكيف أصبح عام 1139هـ/ 1727م هو تاريخ بداية الدولة السعودية الأولى؟ وهل نفهم من ذلك أن الكتابات السابقة التي أشارت إلى عام 1157هـ/ 1744م كبداية تأسيس الدولة لم تتسم بالدقة؟
إعادة قراءة التاريخ وتحليل الأحداث ومقارنتها بالوقائع تعد أساس الدراسات التاريخية الرصينة، وما سبق من كتابات تعد اجتهادات ورؤى تاريخية قابلة للنقاش، فكثير من المؤرخين المعاصرين آنذاك ربطوا قيام الدولة السعودية بوصول الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وأغفلوا الفترة الأولى من حكم الإمام محمد بن سعود وهي الفترة التي امتازت فيها الدرعية بالاستقرار السياسي والاقتصادي؛ مما كان أمرًا مهيأ ومحفزًا لقدوم الشيخ محمد بن عبدالوهاب للدرعية؛ حيث وجد الدعم والنصرة من الإمام محمد بن سعود.
تحديات الدولة
٩- ما هي أبرز أعمال الإمام محمد بن سعود التي مكّنته من تأسيس الدولة وإشاعة الاستقرار في المنطقة؟
نجح الإمام محمد بن سعود في تثبيت الأمن والاستقرار في نجد وغرس مفهوم الوحدة في مجتمع لم يألف حياة الأمن، ولم ينعم بالوحدة السياسية، فحرص الإمام محمد بن سعود على العناية بالأوضاع الداخلية في الدرعية وتنويع مصادر الدخل فيها، وبنى حيًّا جديدًا هو حي الطرفية، وجعله مقرًّا للحكم، كما اهتم بتأمين طرق التجارة المارة بأراضيه؛ حتى تنتعش التجارة وتزدهر، فالأمن أساس الازدهار الاقتصادي، كما اعتنى الإمام محمد بن سعود بقوافل الحج التي تمر بالدرعية وكانت الدرعية تستضيف تلك القوافل ثلاثة أيام إكرامًا لها.
أصبحت الدرعية في عهده رمز الاستقرار وواحة الأمان في المنطقة، وبلغت من قوتها ومكانتها السياسية أنها أصبحت ملجأ لجيرانها وملاذًا لنصرتهم، وأصبحت موئلًا لعدد من الأسر والقبائل النجدية.
ونتيجة لهذا الازدهار السياسي والاقتصادي فقد يمم الشيخ محمد بن عبدالوهاب وجهه صوب الدرعية، فوجد النصرة والدعم من الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك رؤية إصلاحية شاملة، مدركًا لأهمية سلامة العقيدة وتنقيتها من البدع والخرافات.
١٠- اتسم المجتمع في عصر الدولة السعودية الأولى بالكثير من المظاهر العصرية.. هل يمكن أن تعطينا فكرة عن ملامح ومظاهر الحياة العلمية والفنية والثقافية في ذلك العصر؟
ازدهرت الحياة العلمية في الدرعية بصورة لافتة، ويرجع ذلك إلى حرص أئمة الدولة السعودية على نشر العلم بين فئات المجتمع، وكان أئمة الدرعية قدوة في طلب العلم؛ فكان الإمام يحضر مجالس العلم بنفسه؛ فقدم بذلك لمواطنيه نموذجًا حيًّا لأهمية العلم ودوره؛ فقد عُهِد عن الإمام سعود بن عبدالعزيز أنه كان يوميًّا يحضر مجالس العلم من طلوع الشمس حتى الظهيرة، وكانت تُعقد مجالس العلم في جانب من السوق وفي قصر الإمام، وكان يحضر تلك المجالس العلمية جمع غفير من الناس فانتشرت ثقافة العلم وطلبه، وأصبحت الدرعية منارة للعلم والثقافة، وموئلًا لطلبة العلم من جميع المناطق المجاورة.
كما كان في الدرعية عدد من المكتبات والمخطوطات القيمة، فيها كذلك مدرسة للخط والنسخ برز فيها عدد من النساخ والخطاطين الذين تميزت خطوطهم بطابع جمالي وفني خاص.
١١- كان للمرأة دور بارز لا يقل عن دور الرجل في بناء مجتمع التأسيس.. نأمل أن نتعرف على ملامح ذلك الدور الذي لعبته النساء اجتماعيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا وأشهر تلك الشخصيات؟ وكيف دعمت الدولة السعودية الأولى المرأة؟
خلّدت صفحات التاريخ شواهد نسائية عديدة ساهمت في غرس مآثر حضارية وتعليمية واجتماعية وحتى عسكرية، فلم تكن المرأة السعودية بعيدة عن قصة بناء الدولة السعودية؛ بل كانت جزءًا من هذا الحدث وساهمت بأدوار متباينة في ذلك، فقد سجل التاريخ الدور المؤثر لزوجة الإمام محمد بن سعود “موضي بنت أبي وهطان” التي امتازت برجاحة العقل، وكانت خير سند لزوجها؛ حيث كان يستشيرها في أمور البلاد ويثق في رأيها، وكانت لها مآثر خيرية؛ حيث اعتنت بالعلم والأوقاف، وبنى باسمها وقفًا شهيرًا في الدرعية ما زال شاهدًا إلى اليوم سمي “سبالة موضي”، وهو وقف خيري توجد بها مساكن مجانية، ينزل فيه المحتاجون وطلبة العلم وعابري السبيل والزوار القادمين للدرعية.
كذلك كان للمرأة السعودية مساهمات حربية وأبرز مثال على ذلك: “غالية البقمي” التي قادت قوات المدافعين عن بلدة تربة بعد وفاة زوجها أمير تربة أثناء قدوم الحملات الغازية، وأخفت نبأ وفاة زوجها حتى لا تضعف معنويات المدافعين، ونظمت صفوف المقاتلين، واعتمدت على مهارة استدراجهم ثم حصارهم، فقتل عدد كبير من القوات الغازية عام ١٢٢٩هـ، وسجلت غالية البقمي بصمودها صفحة ناصعة لدور المرأة السعودية في حماية الوطن.
وفي الجانب الأدبي والحماسي خلد التاريخ أبياتًا للشاعرة “موضي الدهلاوي” استنهضت فيها حماس الفرسان للدفاع عن بلدتهم الرس أثناء حصار القوات الغازية، فنظمت أبياتًا حماسية لتحفز المدافعين على البسالة والصمود أمام الجيش الغازي ومن ذلك قولها:
سر وملفاك للعوجا مسيرة.. ديرة الشيخ بلغه السلام
الجدير بالذكر أن المرأة السعودية ساهمت كذلك في ازدهار الحياة التعليمية في الدرعية، وتولت مهمة التعليم، وعقد الدروس لطلبة العلم ومن أشهرهن: “فاطمة بنت محمد بن عبدالوهاب” التي عُرفت بالفقه وغزارة العلم، وكانت تعقد مجالس لتعليم النساء والرجال العلوم الشرعية من وراء ستار.
ازدهار الدولة
١٢- تعيش الدولة السعودية وهي الامتداد التاريخي للدولتين الأولى والثانية، عصرًا من التحولات والازدهار في شتى القطاعات تحت قيادة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان.. كيف انعكس ذلك على المواطنين ورفاهيتهم؟
تنعم بلادنا -ولله الحمد- تحت قيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -حفظهما الله- بعهد زاخر بالرخاء والاستقرار. عهد حافل بالمشروعات التنموية الضخمة التي تقف شاهدة على تقدم وتطور بلادنا الحبيبة، عهد متوج بتنمية شاملة لفتت أنظار العالم وجعلت من بلادنا قبلة في النمو السريع المتوازن في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والحضارية.
ولعل أبرز ركائز هذا الإنجاز هو الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به بلادنا ولله الحمد في ظل قيادتنا الرشيدة، علاوة على اللحمة الوطنية التي يمتاز بها هذا الوطن، فولاء المواطن لقيادته ولاء عريق بعراقة تاريخ بلادنا وقيادتها التي امتدت على مدار ثلاثة قرون، التف فيها الشعب حول القيادة السعودية وشاركوها الأمل والألم في بناء وتوحيد هذا الوطن، تحت ظل حكومة تحرص على رخاء ورفاهية مواطنيها، وترتقي بهم بكل فخر وعزة، في دولة فتية تتمتع بالأمن والاستقرار.