يترقب المواطنون والمقيمون تنفيذ قرار إغلاق المحلات التجارية في الساعة التاسعة مساء، خاصة سكان المدن الكبرى (الرياض- جدة- الدمام- مكة المكرمة- المدينة المنورة) كونها المدن التي لم تعتد النوم باكراً، ما جعل البعض يعتقد أن تنفيذ القرار سيخلق وقت فراغ للشباب قد ينعكس سلباً على أخلاقهم في ظل عدم وجود البدائل التي تحتويهم وتشغل أوقات فراغهم.
وحاولت “مصادر” قراءة أبعاد القرار على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي، فيذهب مؤيدون إلى أن القرار سيوفر الوقود والكهرباء، ويحد من نسبة تسكع الشباب في الشوارع، وأنه أمر مطلوب لراحة الأعصاب ونوم الأطفال والمسنين والمرضى مبكرا، فيما يرى آخرون أن القرار ستكون له آثار سلبية ترتبط بطقس المملكة والعمالة الوافدة فضلا عن أنه سيدفع الشباب الصغار من الأسواق للمقاهي وتعاطي الشيشة، وتزاحمهم بالزوايا والأرصفة بالشوارع ومضايقة المارة والأحياء.
المردود الاقتصادي
وقال أستاذ المحاسبة بجامعة الطائف الدكتور سالم بن سعيد باعجاجة لـ”لاحد المصادر” إن القرار سينعكس أثره في الحياة الاجتماعية في المملكة، وسيشكل تأثيرات محسوسة على مستوى الاقتصاد المحلي ويلمس دخل الأفراد في المجتمع، وسيكون له مردود إيجابي في حال تطبيقه بحذافيره على عدة أمور منها توفير الطاقة الكهربائية، التخفيف من زحام السيارات والحركة المرورية، وتوفير الطاقة الكهربائية والبترول والبنزين في دولة هي الأعلى في معدلات استهلاكه.
وأضاف أن القرار سيزيد من فرص إقبال الشباب على العمل في القطاع الخاص مع تقلص ساعات الدوام المسموح بها، وهي أيضاً ستسمح للسعوديين الطامحين في زيادة دخلهم الشهري بفتح محلات خاصة بهم من الممكن أن تعمل من الثالثة عصراً وحتى التاسعة مساءً.
صالح الأسرة
وأكد المستشار النفسي والتربوي الدكتور حسن محمد ثاني أن تحديد ساعات العمل للمحلات التجارية بإغلاقها عند التاسعة مساء سيساعد الشباب العاملين في القطاع الخاص في قضاء بقية الوقت لأداء مصالحهم الخاصة، والعناية بقضايا أسرهم والحد من نسبة تسكع الشباب في الشوارع إلي وقت متأخر من الليل، موضحاً أن القرار سيحفز المجتمع على الاستفادة من التسوق في ساعات النهار ومساعدة الناس علي النوم المبكر وتهيئة البيئة المناسبة لذلك أو قضاء أوقاتهم مع أسرهم والحد من الإسراف والاندفاع نحو الشراء بلا ضوابط.
عودة الهدوء
ويرى أستاذ علم الاجتماع الجنائي الدكتور محمد سليمان الوهيد أنه أمر إيجابي يحقق كون الليل لباسا والنهار معاشا كما قال الحق سبحانه وتعالى، معتبرًا أن أوجه الكمال في القرار هو سكون المدينة في المساء، كون الهدوء أمرا مطلوبا لراحة الأعصاب ونوم الأطفال والمسنين والمرضى مبكرا، كما سيحد من المعاكسات، التي تشيع بين من سفهوا أنفسهم وجعلوا التسوق عملية مضايقة للغافلات وتشجيعا للاهيات واستفزازا لمعاطس الكرامة وحميَّاء الدين والشرف والأخلاق، وضغطا نفسيا وتداخلا بشريا وتعرضا لأمراض الجسد بالازدحام غير المبرر وللأمراض النفسية والسلوكية والاجتماعية.
وأكد “الوهيد” أن الإغلاق المبكر سيريح الجهات الضبطية للسلوك العام من عبء مناوبات السهر وتنظيمات الشوارع والأسواق وغيرها من نظم وخدمات تجارية وكهربائية ومرورية وصحية وبنكية ومالية ومكافحة الغش والتزوير والمخدرات التي قد تشيع في مناطق الاختلاط والزحام البشري، وان كانت قليلة فلا يزال القليل كثيرا في حال المخدرات، مؤكداً أن مراكز الازدحام مواطن قلق لمن يدرك تقنيات اندساس الفاسدين والمفسدين ومخالطتهم الأبرياء للاحتماء هم، مستشهداً بانتشار العمالة والسائقين في مجمعات التسوق وصرف الوقت فيما لا جدوى منه ولا فائدة.
طقس المملكة
غير أن “الوهيد” لفت إلى أن من أهم معوقات تنفيذ القرار هي الأجواء الحارة التي تسيطر على المملكة معظم أوقات السنة، التي قد تتجاوز درجات الحرارة في معظم مدنها حاجز 40 درجة وقد تبلغ الخمسين في بعض الأيام في الظل، مشيراً إلى أن الموقع الجغرافي للملكة يفتقر للأنهار والبحيرات في ظل غياب دور السينما والمسارح، وندرة الحدائق، وبعد حدود المدينة للوصول إلى البرية المفتوحة خاصة المدن الداخلية غير ذات الشواطئ البحرية، متسائلاً عن الأماكن التي ستجذب الشباب من الجنسين بعد إغلاق الأسواق .
وأضاف أن القرار يحتاج قراءة متأنية للوضع باحتمالاته المختلفة فلا نريد أن ينطلق الشباب الصغار من الأسواق للمقاهي وتعاطي الشيشة ولا نريد أن تزدحم زوايا وأرصفة شوارعنا بتجمعات بشرية وخليط من اللهو البريء ومضايقة المارة والأحياء، كما لا نريد أن تزدهر الاستراحات المنزوية خاصة للأسر والفتيات، ما لم تكن هناك برامج توعوية وتعليم وتطوير لأساليب قضاء وقت الفراغ خاصة في المدن الكبرى .
وأوضح “الوهيد” أن العمالة الوافدة التي تعمل بالأسواق سيجدون وقت فراغ كبيرا من صلاة العشاء إلى التاسعة صباح اليوم التالي، فأين يذهبون وبما يشتغلون، معتبراً أن التاجر البائع بالتجزئة والموزع الأكبر سيتأثر دخلهم شيئا ما وخاصة المهن المساندة كالخياطة وغسيل الملابس ومحلات الحلاقة والمشاغل النسائية وخدمات النقل .
وأشار إلى أن صلاة العشاء معظم العام قريبة من الساعة الثامنة مساء، وهذا يعني أن الإغلاق سيكون من السابعة لا التاسعة مساء والسابعة أقرب لصلاة المغرب، وبالتالي فإن صلاة المغرب ستعني آخر وقت للتسوق.. وهذا قريب من نهاية الأعمال الوظيفية سواء خاصة أو رسمية فلن يتبقى سوى نهاية الأسبوع للموظفين والنهار بين التاسعة والثانية عشر ظهرا لغير الموظفين.
وأشار إلى أن خلق مجتمع مثالي في أوقات نومه ويقظته يحتاج إلى زمن وبرامج اجتماعية وتنظيم شبكة العلاقات الأسرية ونهوض تام بمسؤولية الآباء والإخوة عن الأسرة في التسوق وقضاء وقت الفراغ وهذا ليس متوفرا في مجتمعنا بالشكل المقبول.
ورحب “الوهيد” بمثل هذا القرار مع وجوب اتخاذ إجراءات تمهيدية، معتبراً أن قرار إغلاق المحلات الساعة التاسعة لن يمنع السلبيات التي قد تتراكم مع الزمن، فيصبح مرض السهر أخف أثراً من علاج الإغلاق المبكر.