في وقت ما من عام 2015م تلقى محور حديثنا في هذا البروفايل اتصالًا وصفه بأنه الاتصال الأهم في حياته. يقول: “أبلغوني أن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي يرغب في حضوري.
ويضيف: “لم تكن لديّ أي معرفة سابقة بسموه ولا أي تواصل من أي نوعٍ كان. ولم ألتقِ به من قبل. كان هذا أول لقاء يجمعني به؛ وذلك لتأسيس مركز دعم اتخاذ القرار في الديوان الملكي”.
معالي أ. ياسر الرميان واحد من أبرز القياديين الذين راهن عليهم ولي العهد وعراب الرؤية، فأثبت حضوره، وأصبح من أكثر القيادات السعودية التي تتولّى الكثير من الملفات الحساسة؛ ومن أبرزها قيادة صندوق الاستثمارات العامة، وغير ذلك من المناصب؛ حيث نراه يلعب الجولف مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أو يظهر في منتديات اقتصادية عالمية، ومن الصعب طبعًا توقع أين سيظهر في اليوم التالي ضمن إحدى مهامه، مستلمهًا العمل الدؤوب المستمر من خلال عمله مع سمو ولي العهد الذي توصف حياته العملية بأنها من أكثر المهام صعوبة وتتخطّى أكثر من 16 ساعة في اليوم من العمل المستمر.
يعود “الرميان” ليصف اللقاء التاريخي بالنسبة له، ومستعرضًا إحدى رؤى ولي العهد وطريقته في العمل: “يرى ولي العهد أن الكثير من القرارات التي تم اتخاذها سابقًا كانت تُبنى على الرأي وليس على الأدلة والمعلومات والبيانات؛ ولذلك لا بد من مركز وطني لاتخاذ القرار”.
هذا ما حدث في الطائرة مع ولي العهد.. المفاجأة:
وبشكل تفصيلي أكثر عمقًا يروي “الرميان” في بودكاست “سقراط” كيف رأى أسلوب عمل ولي العهد، وكيف تعلم منه؛ حيث كانت البداية بتعيينه عضوًا بمجلس إدارة الصندوق، ثم طلب منه سمو ولي العهد ترشيح أسماء لمنصب الرئيس التنفيذي. يقول الرميان: “بعد أن تواصلت مع هيئة السوق المالية وطلبت منهم أسماء الرؤساء التنفيذيين في القطاع الاستثماري، وبينما كنا في إحدى الرحلات بالطائرة مع سمو ولي العهد، قدّمت له أسماء المرشحين مع ملفاتهم، فلم يكن مقتنعًا بشكل كامل بمعظم الأسماء، وطلب ترشيح شخص آخر، ثم صدر بعدها القرار بأن أكون المشرف على صندوق الاستثمارات العامة تحت إشراف ولي العهد”.
وفي تأكيد له على العمل الشاقّ الذي يقوم به ولي العهد وفريقه؛ يقول الرميان: “كان مجلس إدارة الصندوق يجتمع بشكل أسبوعي، واستمرّ أول اجتماع لمدة يومين متواصلين؛ اليوم الأول اجتمعنا 12 ساعة، واليوم الثاني 6 ساعات متواصلة، وأتذكر أنه خلال الاجتماع الأول الذي دام 12 ساعة متواصلة لم يقم سمو ولي العهد من الكرسي الذي كان جالسًا عليه. شهد هذا الاجتماع وضع خارطة طريق لمستقبل الصندوق، وذلك عام 2015؛ حيث كان ولي العهد يعتمد على المعلومات والأدلة والبيانات أكثر من مجرد الرأي مع احترامه وتقديره له. أما آراء أعضاء المجلس فتختلف حول الكثير من القرارات، ويُحسم القرار بالتصويت، ولو صوّت الأغلبية ضد قرار رئيس المجلس”.
رؤية القائد.. نبراس الطريق:
“الرميان” الذي استشعر مهمته الضخمة وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، يصف أيامه الأولى في الصندوق: “أول عمل قمنا به كان الفحص التشخيصي الكامل لعمل وأداء الصندوق في ذلك الوقت؛ ما هي الأمور التي يمكن القيام بها أو تجنبها؟ مع الاستفادة من تجارب وخبرات صناديق الثروة السيادية الموجودة في العالم”، وخلص مع الفريق إلى أن هناك ستّ محافظ لها الأولية؛ وتشمل مجالات: الاستثمار في الشركات السعودية، مرورًا بتطوير القطاعات الواعدة والمشاريع العقارية والبنى التحتية والمشاريع السعودية الكبرى، وصولًا للاستثمارات العالمية، ومحفظة المشاريع السعودية الكبرى كمنظومة اقتصادية كاملة. “الرميان” ينقل بشائر كبيرة للصندوق ومستهدفاته تحت رؤية ولي العهد، حفظه الله؛ ومن ذلك الحرص على عائد استثماري مُجزٍ، وخلق مليون وثمانمائة ألف وظيفة خلال السنوات الخمس القادمة.
و”الرميان” برغم كثافة المسؤوليات فهو مستعدّ لها مستلمهًا حماس وقوة وعمق ولي العهد. يقول: “رغم أنني أكبر في السن من سمو ولي العهد، لكنني تعلمت منه الكثير، وما يعجبني فيه أن معرفته شاملة وعميقة، ويهتم بالتفاصيل، وفي ذات الوقت ينظر إلى الصورة الكبرى، وإذا احتاج الأمر فإنه ينزل للنظر إلى الصورة المصغرة، وفي الوقت نفسه يرى الصورة الأكبر؛ إذ إن من الخطأ الاهتمام بأدقّ التفاصيل ونسيان الصورة الكبيرة، كما أن ولي العهد يعطيك وقتك كاملًا للحديث، ويستمع منك، ولا يقاطعك أبدًا، ويرفض أن يقاطع أحد من يتكلم. تعلمنا من ولي العهد كيف يكون المرء منطقيًّا أكثر، وأن ترى قدراتك وتعرف كيفية الاستفادة منها في أفضل شكل، والعمل على عدة مواضيع ولا يشترط أن تنجح فيها كلها، كما تعلمنا من سموه أن ترتيب الأولويات مهم جدًّا. أنا أصبحت أتبع نفس أسلوبه، فبصرف النظر عن الشخص الذي يكلمني، يجب أن أستمع إليه، وبعدها أعطي الرد.
استيعاب الأحلام العظيمة
حياة معالي أ. ياسر الرميان حافلة بشكل لا يصدق، ومسيرته لا تقل عن ذلك. وهذا ليس بغريب؛ فقد عرف كل من يعمل مع ولي العهد بثقل الأمانة وكثافة العمل. وبالنسبة لمحترف منذ البداية مثل “الرميان” الذي يحمل شهادة “هارفارد” للأعمال؛ فقد استوعب حجم الأحلام العظيمة التي يؤمن بها سمو ولي العهد لبلاده، وما تحمله القيادة من رؤية كبيرة استثماريًّا على كل المستويات محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، ولأن ولي العهد يختار فريقه بعناية؛ فقد نجحوا في التحديات، وتمكن “الرميان” وفريقه -كمثال فقط- وأثناء جائحة كورونا؛ من رفع عوائد الصندوق لتتراوح في 2021 بين 7% و8% بعدما كانت 2-3% قبل عام 2016م.
وعن إدارته لوقته يفاجئك الرميان بأنه رغم كل شيء فهو يدير وقته ببراعة؛ فهو يجد وقتًا للرياضة والعائلة وغيرها، يقول ببساطة: “كلها جاية مع بعض”، ويفسر ذلك بأنه قد يمارس الرياضة مع زملاء ويتحدثون في العمل أيضًا. وهو لا يمانع في إجازاته الخاصة بدعوة كل من يتصل لفنجان قهوة وتبادل الأحاديث، ممتدحًا “تفهّم” عائلته لمشاغله تلك. يقول: “في البيت لدي مكتب أعقد فيه الكثير من الاجتماعات، و”لو ما سويت هكذا أشعر بوجود شيء ناقص”.
خبرات ومناصب
حصيلة خبرة “الرميان” الكبيرة تضمّ أكثر من 25 عامًا تنقّل فيها بين محطات على درجة عالية من الأهمية ومنها هيئات مالية كبرى؛ ومن ذلك: مدير إدارة الوساطة الدولية في البنك الهولندي 1999 – 2004م، عضو الفريق المؤسس لهيئة السوق المالية، رئيس قسم الأوراق المالية في هيئة السوق المالية، مدير إدارة تمويل الشركات في هيئة السوق المالية، الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة في السعودي الفرنسي كابيتال 2011 – 2015م، وفي عام 2019 تم تعيينه رئيسًا لمجلس إدارة أرامكو السعودية للإشراف على أكبر عملية طرح للأسهم في العالم.
أما المناصب التي يشغلها حاليًّا فهي عديدة؛ ومنها: محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ومستشار في “الأمانة العامة لمجلس الوزراء” بمرتبة وزير، ورئيسًا لمجلس إدارة “مركز دعم اتخاذ القرار في الديوان الملكي، ورئيسًا لمجلس إدارة “شركة أرامكو”، ورئيسًا لمجلس إدارة “معادن”، ورئيسًا لمجلس إدارة “طيران الرياض”، ونائبًا لرئيس مجلس إدارة روشن، ورئيسًا غير تنفيذي لمجلس إدارة نيوكاسل، ورئيسًا لمجلس PGA للجولف، ورئيسًا للاتحاد السعودي للجولف، ورئيسًا للجنة استثمارات الشركات الكبرى في برنامج “شريك”، ورئيسًا لمجالس إدارات “نون” و”سنابل” للاستثمار، وعضوًا في مجلس إدارة “نيوم” و”البحر الأحمر للتطوير”، وعضو مجلس إدارة القدية للاستثمار.
في عناوين الإعلام العالمي
مؤخرًا تكرر حضور ياسر الرميان بعناوين كبيرة في الصحافة العالمية، وخصوصًا فيما يُنظر له كـ”ضربة معلم” تقوم بها المملكة؛ ومن ذلك: “صفقة الغولف” الشهيرة التي نتج عنها توحيد أهم أقطاب لعبة الغولف على أساس عالمي بالاتفاق التاريخي بين بطولتي “بي جي أي” الأمريكية و”ليف غولف” السعودية؛ حيث اعتبرت وسائل إعلام غربية التطور الأخير انتصارًا لطموحات السعودية ومساعيها في أن تكون قوة مؤثرة في الرياضات العالمية، وهو ما وصفته “بلومبيرغ” بأنه “تمهيد لصعود “قوة عظمى” في عالم رياضة الغولف، مشيرة إلى دور محافظ الصندوق السيادي السعودي ياسر الرميان -لاعب غولف شغوف- في إقناع مسؤولي الجولة الأمريكية بأن مصلحة الجميع تكمن في توحيد الجهود لا التنافس.
وفي تقرير لـ”كنت غراي” على موقع “جولف دايجست” يقول: “ما الذي تحصل عليه عندما تدمج ما بين التحصيل التعليمي في كلية هارفارد للأعمال، والخبرة المصرفية الاستثمارية، وخبرة قيادة أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، مع الشغف الشخصي الكبير للقولف؟ ويجيب عن سؤاله بنفسه: “في واقع الأمر، إن اجتماع هذه الكفاءات، من خبرة واسعة وحنكة تجارية وشبكة علاقات عالمية واندفاع للإنجاز، هو ما يميّز الرئيس الجديد للاتحاد العربي للجولف “AGF”. إن المعرفة التي اكتسبها ياسر الرميان في كلية هارفارد للأعمال، والخبرة العملية في قطاع إدارة الثروات والخدمات المصرفية الاستثمارية، ممزوجة بالشغف الكبير لديه تجاه اللعبة؛ ستشكل بلا شك عنصرًا فاعلًا في تطوير لعبة الجولف السعودية ومنحها المزيد من الحنكة التجارية.
لاعب جولف شغوف
يقول “الرميان”: “أنا لست لاعب جولف شغوفًا فحسب، بل أدرك أيضًا القيمة الحقيقية التي يمكن أن تمنحها هذه اللعبة، في جميع مجتمعاتنا. وأتعهد بالتزامي الكامل بالتركيز على طُرق دعم الاتحاد للهيئات الإدارية في مهمتها لتطوير اللعبة في جميع أنحاء العالم، إضافة إلى حشد مواردنا الجماعية لتعظيم فرص مساهمة الدول العربية في مستقبل اللعبة العالمي”.
ويأتي هذا في توقيت متزامن تقريبًا مع ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة تحت إشراف سمو ولي العهد وقيادة الرميان، من حراك مفصلي في نقل الرياضة السعودية للعالمية من خلال استقطاب ألمع نجوم العالم، وشراء نادي نيوكاسل الإنجليزي حيث الرميان هو رئيس النادي. تقول “فوربس”: “لتعرف مدى وسرعة انتشار تأثير صندوق الاستثمارات العامة، فلا يحتاج المرء إلا أن يأخذ نظرة على عالم الرياضة؛ حيث أعادت الأموال السعودية بالفعل تشكيل كرة القدم عالميًّا، وياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ورئيس مجلس إدارة شركة النفط العملاقة السعودية “أرامكو”، هو أيضًا رئيس مجلس إدارة نيوكاسل يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز، و”فورمولا1″ إضافة إلى الغولف”.
تفوق منذ البدايات
“الرميان” في التعريف العام هو: ياسر بن عثمان الرميان، ولد في 20 فبراير 1970. وحصل على بكالوريوس في المحاسبة من جامعة الملك فيصل عام 1993م، وشهادة برنامج الإدارة العامة من كلية هارڤارد للأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن قصة نجاحه سبق وأن حصل على المرتبة السادسة من بين أكثر المستثمرين التنفيذيين تأثيرًا في عام 2018 على مستوى العالم، من قبل معهد صندوق الثروة السيادية، كما حصل على المرتبة الثالثة من بين أهم المستثمرين للعام 2017 من مجلة فوربس الشرق الأوسط. ولم تقتصر نشاطات ياسر الرميان على السوق السعودي فحسب، بل يشغل أيضًا منصب مدير في كل من: شركة “ادبتيو ادي للاستثمارات إس بي سي Adeptio AD Investments SPC Ltd”، وشركة ” ادبتيو ادي القابضة إس بي سي” في مركز دبي المالي العالمي “DIFC” بدولة الإمارات العربية المتحدة.