مثَّلت زيارة أحمد الجربا، رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، لمناطق محررة في اللاذقية منذ أيام، حيث مسقط رأس بشار الأسد وحصن طائفته من العلويين؛ صفعةً سعودية قوية لنظام الأسد تثبت أن النهج الذي تراه السعودية للتعامل مع نظام دمشق هو الأجدى، وأن من تختار المملكة دعمهم من قوى المعارضة هم الأقدر فعليًّا على إحداث تغيير على الأرض في سوريا، كما أن المملكة هي الأكثر جدية في حفظ الثورة السورية للشعب، وعدم السماح للتنظيمات الإرهابية بالاستيلاء عليها.
وأتت زيارة الجربا كتكذيب لما قاله التلفزيون السوري الرسمي بأن قوات الأسد استعادت السيطرة على المرصد 45، وهي تلة استراتيجية في ريف اللاذقية؛ حيث نقل المكتب الإعلامي عن الجربا قوله إن الزيارة “كانت ميدانية للأهل والمقاتلين، تَفَقَّدَ فيها الألوية. كما زار جميع محاور وجبهات القتال في جبل التركمان، بدءًا من كسب، والسودا، مرورًا بالمرصد 45، وجميع المناطق المحاذية”.
نزع الشرعية عن الإرهاب
لم تستطع قوى الثورة السورية التخطيط لمهاجمة اللاذقية ودخولها بشكل فعلي إلا بعد انسحاب كامل لمقاتلي “داعش” من شمال المحافظة، وذلك منذ 15 يومًا تقريبًا قبل زيارة الجربا، ما يؤكد أن هذا التنظيم (داعش) كان يلعب فعليًّا أدوارًا لصالح نظام الأسد، ويعطل قوى الثورة السورية عن مواجهته، وهو ما أشارت له المملكة صراحة على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل خلال الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة (10 مارس الماضي)؛ حيث أكد أن الشعب السوري يواجه “الجماعات الإرهابية” إضافة إلى النظام، والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله.
وكان لقرار خادم الحرمين تجريم القتال في الخارج، ثم قانون مكافحة الإرهاب، دور رائد في كشف الغطاء عن “داعش” وغيرها من التنظيمات الإرهابية، الأمر الذي دفع إلى بدء مواجهات معها أدت لانسحاب مقاتلي التنظيم من شمال اللاذقية لدعم قواهم المتراجعة في محافظة الرقة السورية، ما فتح الطريق أمام الثوار لدخول معقل الأسد، وعودة الثورة إلى مسارها الصحيح في مواجهة الأسد، لا الانشغال بالاقتتال الداخلي ما يسمح للنظام بتحقيق تقدم على الأرض.
تسليح المعارضة والواقع الجديد
دعت السعودية كثيرًا ومنذ بداية الثورة السورية إلى تسليح المعارضة، وكان حديث ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لا لبس فيه خلال قمة الكويت حين دعا في كلمته إلى ضرورة دعم مقاتلي المعارضة السورية، وندد بتحول سوريا الى “مأساة مفتوحة يمارس فيها كل أنواع القتل والتدمير على أيدي النظام الجائر، تساهم في ذلك أطراف خارجية وجماعات إرهابية مسلحة من كل حدب وصوب”. ورأى أن “الخروج من المأزق السوري يتطلب تحقيق تغيير ميزان القوى على الأرض”، وهو ما تمت ترجمته بشكل واقعي بتقديم دعم مادي كبير للمقاتلين في الساحل السوري، أعلنت عنه الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني برئاسة الجربا، بمبلغ 500 ألف دولار، وذلك في 28 مارس الماضي في تنفيذ فوري لكلمات سمو ولي العهد، ليظهر الواقع الجديد على الأرض فورًا، بنقل المعركة إلى معقل نظام الأسد.
الجربا.. المفضل لدى السعودية
ويُعتبر أحمد الجربا، الرجل المفضل لدى السعودية في المعارضة السورية، وذلك لتقارب وجهات النظر، وأساليب العمل، والرؤية للأزمة السورية، فالجربا بلغ منصبه كرئيس للائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة بدعم سعودي واضح، وذلك لمواجهة محاولات تنظيم الإخوان المسلمين -المدعوم من قوى ودول إقليمية- الاستيلاء على الائتلاف السوري، وتجييره لمصالح تنظيمهم الضيقة، كما فعلوا في المجلس الوطني السوري الذي تم تشكيله قبل الائتلاف، ثم تفريغه من أي مضمون، ليصبح كأنه جمعية تابعة للإخوان.
والجربا البعيد عن الطائفية في نظرته لسوريا؛ نشط في عدة مجالات إغاثية وطبية وعسكرية لدعم الثورة السورية منذ انطلاقها، كما أن الرجل الذي وصفت قوى الثورة فوزه بأنه “فوز السعودية على قطر برئاسة الائتلاف السوري”، يرى أن السلاح هو الحل الوحيد مع الأسد؛ حيث قال في يناير 2013 على قناة “العربية” الفضائية، إن النظام السوري قوي بسلاحه، متسائلا: “هذه الترسانة القوية كيف نجابهها؟ بالأقلام؟ علينا أن نأتي بالسلاح.. وهذا ما نفعله”.
ولذا فإن زيارة أحمد الجربا إلى ريف اللاذقية؛ في مكانها (معقل الأسد)، وفي زمانها (بعد كلمة ولي العهد)، ومع إزاحة “داعش” عن الطريق، وفي كون من قام بها رجل المملكة المفضل؛ تمثل صفعة قاسية جدًّا من المملكة لنظام الأسد، وتُنبئ بأن قادم الأيام في الثورة السورية لن يكون كماضيها.