استيقظ العالم بأسره صباح اليوم على اشتباكات مسلّحة، ومواجهات عسكرية خطرة، وتبادل لإطلاق النار، والاستيلاء على مواقع حيوية في العاصمة السودانية الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السودانية، في مشهد مؤسف في البلد العربي الشقيق ينذر بحرب أهلية لا قدر الله.
تلك المشاهد الكارثية تفاجأ البعض بها، ولم يتوقّعها الكثيرون، إلا أن ما يحدث الآن على الأرض من اضطرابات غير مسبوقة كانت له مقدمات وإرهاصات خلال الآونة الأخيرة أوحت بحدوثه، وإن لم يكن معروفًا متى يحدث.
طرفا الصراع
بداية، لا بد من تعريف طرفي الصراع الحالي؛ فالجيش السوداني هو القوات المسلحة الرسمية للبلاد، والمنوط بها الدفاع عن وحدة وسلامة أراضيها، وصدّ العدوان الخارجي.
أما قوات الدعم السريع، فترجع أصولها إلى ميليشيات الجنجويد، وهي ميليشيات كانت تقاتل باسم الحكومة السودانية خلال حرب دارفور في عام 2003، قبل أن تتشكل رسميًّا في عام 2013؛ حيث تمت إعادة هيكلتها لتصبح تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني؛ بهدف إعادة نشاط ميليشيات الجنجويد لمواجهة الجماعات المتمرّدة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق.
ويقود قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وهو نائب رئيس مجلس السيادة السوداني برئاسة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وهو الجهة المنوط بها الإشراف على المرحلة الانتقالية في البلد العربي.
مقدمات الصراع
بدأ الصراع الذي نشهده الآن يظهر للعلن للمرة الأولى حينما صرّح قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، بأنه اكتشف منذ اليوم الأول أن قرارات قائد الجيش عام 2021، التي أقصى فيها الحكومة المدنية، اتخذت لتكون بوابة لعودة نظام “المؤتمر الوطني” المعزول، والمقصود به النظام السياسي الذي كان يحكم السودان بقيادة الرئيس السابق عمر البشير.
سرعان ما احتدمت الخلافات والتوترات في أعقاب التوقيع على “الاتفاق الإطاري” المؤسس للفترة الانتقالية بين المكون العسكري الذي يضمّ قوات الجيش وقوات الدعم السريع في شهر ديسمبر الماضي، الذي أقرّ بخروج الجيش من السياسة وتسليم السلطة للمدنيين.
وتضمّن الاتفاق بنودًا بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش، كما طالب الجيش بأن تكون هناك قيادة واحدة بعد الدمج، وجعل شركات قوات الدعم السريع تابعة لوزارة المالية، والإجراءات الحكومية المعروفة، كما اشترط أن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج.
بعد ذلك اتهم “حميدتي” قيادات في الجيش بالتخطيط للبقاء في الحكم، وبأنها لا تريد مغادرة السلطة، وأعلن تأييده لفكرة الدمج، ولكنه يشترط أن يتم وفق جداول زمنية متفق عليها، كما اشترطت قوات الدعم السريع أيضًا مساواة ضباطها في الامتيازات بنظرائهم في الجيش، وطالبت بالتزام القوات المسلحة “الجيش” بالدستور السوداني الذي سيتم إقراره.
الوضع الراهن
انتقل الصراع بين طرفي الأزمة من منبر التصريحات إلى الأرض، في أعقاب حشد قوات الدعم السريع لأفرادها ومركباتها في منطقة مروي شمال السودان؛ لمجابهة حشد لقوات الجيش، وهو ما استنكره الجيش الذي اعتبرها تحركات لم تكن بعلم وموافقة قيادة القوات المسلحة، أو التنسيق معها.
وتسارعت وتيرة الأحداث؛ حيث اشتبك الطرفان في صراع قوى عسكرية، واندلعت المواجهات صباح اليوم السبت في العاصمة السودانية الخرطوم، ومناطق أخرى، ووفقًا لرواية الجيش فقد اندلع الاشتباك بعد أن حاولت قوات الدعم السريع مهاجمة قواتها في الجزء الجنوبي من العاصمة.
فيما ادّعت قوات الدعم السريع في بيانات أصدرتها، أن قوات الجيش هاجمت قواتها في أرض المعسكرات سوبا في العاصمة الخرطوم، بالأسلحة الخفيفة والثقيلة؛ ما دفعها إلى الردّ بالهجوم على المعتدين؛ على حدّ وصفها.
وفي أعقاب ذلك انهالت الاشتباكات والاعتداءات بين الطرفين؛ حيث زعمت قوات الدعم السريع سيطرتها على المطارات والمواقع الرئيسية في البلاد، فيما نفى الجيش ذلك، قائلًا: إن طائراته تقصف قواعد قوات الدعم السريع.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعمليات إطلاق النار الكثيف، والاشتباكات بين الطرفين، فيما كانت تتصاعد أعمدة الدخان إلى السماء في خلفية المقاطع، بينما شوهدت الطائرات العسكرية والمقاتلات في السماء، كانت دبابات الجيش السوداني تنتشر بشكل كبير وتجوب الأرجاء للدخول على خط الصراع.
كما تُدُوِّلَتْ على نطاق كثيف مقاطعُ تظهر لحظات اعتقال أفراد من قوات الدعم السريع، وأخرى تظهر اعتقال أفراد من الجيش السوداني، فيما كان السكان المحليون يحتمون ببيوتهم؛ لعدم توقعهم أن تتسارع الأحداث بهذه الوتيرة.
وناشدت أطراف محلية وخارجية طرفَي الصراع بضبط النفس، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وسط مخاوف من احتدام الصراع وتحوله إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.