تهميش دور المرأة من أهم معوقات التنمية
العادات والتقاليد تعرقلان ممارسة المرأة لحقوقها
لا يوجد مجتمع يخلو من أشكال العنف
التعامل مع المعنفين يمنحني شجاعة الاستمرار
المرأة السعودية وصلت إلى مستوى عالٍ من التعليم والمهنية
: فيما يعدُّ اعترافاً جديداً بقدرات وإمكانيات المرأة السعودية، حصلت الدكتورة مها المنيف، رئيس برنامج الأمان الأسري، على جائزة الشجاعة الأمريكية، وهي المرأة العربية الوحيدة مع تسع نساء حصلن على هذا اللقب.
وفي حوار خاص ، طالبت المنيف بضرورة إنشاء وزارة للمرأة والأسرة، كما طالبت بسَنّ قانون لمعاقبة المتحرشين؛ إذ تسعى إلى نشر الثقافة الحقوقية داخل المجتمع، والتخلص نهائياً من العنف الأسري.
واعترفت المنيف بأن عملها طبيبة، وتعرفها على حالات عدة للمعنفات، ساهما بشكل كبير في منحها الشجاعة والإصرار على الاستمرار في هذا المجال، مؤكدة في نهاية حديثها أن المرأة السعودية وصلت إلى مستوى عال من المهنية والتعليم بدعم وتشجيع خادم الحرمين الشريفين.
وإليكم الحوار:
**ماذا تمثل لك جائزة الشجاعة الأمريكية؟
تعني لي الكثير. فعلى المستوى الشخصي أشعر بالفخر؛ لأني مثلت بلادي خير تمثيل، وما قمت به من عمل في مجتمعي الصغير في هذا الكون قد تم تقييمه عالمياً، والاعتراف بآثاره الإيجابية، بالإضافة إلى أن هذه الجائزة تؤكد أن المرأة السعودية وصلت إلى مستوى عالٍ من التعليم والمهنية، وهي قادرة على الإبداع وتغيير المجتمع للأفضل؛ من أجل دفع عجلة التنمية في وطننا، وهذا يُغير الصورة النمطية للمرأة السعودية.
أما على المستوى الوطني فهي خير دليل على ما تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين من جهود؛ لمناهضة العنف الأسري في وطننا الغالي، بداية من الحرص على إنشاء برنامج الأمان الأسري الوطني، ودعمه المستمر من جميع النواحي.
**بعد عشر سنوات من جهودك في مكافحة العنف الأسري وحصولك على “جائزة الشجاعة الأمريكية”، ما طموحاتك بعد هذه الجائزة؟
هذه الجائزة تحمِّلني مسؤولية كبيرة، وستدفعني للمزيد من العطاء، ولا تزيدني إلا إصراراً. أطمح للاستمرار في خدمة هذه القضية، والعمل على حل تعقيداتها في مجال عملي مديراً تنفيذياً لبرنامج الأمان الأسري الوطني.
فقضية العنف الأسري قضية صحة عامة؛ لا تؤثر فقط على صحة الأفراد، لكن في اعتلال المجتمع اجتماعياً واقتصادياً. ولهذه القضية أبعاد أمنية، قضائية، صحية واجتماعية، وهي مرتبطة مع بعضها، وتمس كيان الأسرة؛ لذا وجب التعامل معها بمهنية عالية؛ فهي ليست مثل أي قضية جنائية أخرى كالسرقة مثلاً، إضافة إلى استمراري في نشر ثقافة الحقوق بين الأفراد والمساهمة في التشريعات والقوانين والأنظمة التي من شأنها حماية ورعاية وتأهيل الضحايا.
**كيف استمددتِ شجاعتك من المعنفين؟
شاهدت خلال مسيرة عملي طبيبة استشارية في طب الأطفال والأمراض المعدية، وكذلك عملي في برنامج الأمان الأسري الوطني، العديد من الحالات للنساء والأطفال ضحايا العنف، الذين تجرعوا مرارة الحياة، وعانوا الكثير.. لكن حاجز الصمت لم يفقدهم حقهم في العيش في حياة رغدة وآمنة.
فالتعامل مع هذه الشريحة يمنحك الشجاعة للاستمرار؛ لأني كنت أرى آثار العنف على المدى الطويل.
وكنت واثقة بأنه بالعمل المؤسسي سنستطيع الوقاية منه ومنع تكراره.
**ذكرتِ أن “60 % من النساء يزرن المستشفيات من جراء العنف الأسري”.
ما تفسيرك لهذه الإحصائية المخيفة بالرغم من جهود برنامج الأمان الأسري؟
للأسف، ظاهرة العنف الأسري موجودة في مختلف المجتمعات؛ فمن غير المتوقع أن يوجد مجتمع يخلو من أشكال العنف مهما كانت ثقافته الدينية والاجتماعية، ومستوى وعي أفراده، بيد أنه يمكننا النظر بإيجابية إلى الزيادة في حالات العنف المبلَّغ عنها؛ فهي تدل على تنامي الوعي بالمشكلة، وأهمية التبليغ عنها.
وأتوقع زيادة نسبة الحالات، وظهورها على السطح مستقبلاً نتيجة لما ذكرته سابقاً من زيادة الوعي والتبليغ.
إن وجود العنف الأسري في مجتمع ما ليس معيباً أو مخجلاً، بيد أن المخجل هو الاستمرار في تجاهل المشكلة، وعدم التعامل معها، وخلق الأعذار لتجاهلها.
بغض النظر عن حقيقة الأرقام ومدى تمثيلها للواقع، فنحن لسنا بصدد تصنيف موقعنا إحصائياً، لكن علينا أن نعلم أن هناك مشكلة إنسانية؛ يجب أن نتعامل معها، سواء وقعت لامرأة واحدة أو مئات الآلاف من النساء.
فأي إحصائية أو أرقام يذكرها الإعلام يجب تفسيرها بحذر؛ لأنه لا يظهرها من وجهة نظر الباحثين ولا في سياقها العلمي.
**ما الذي سوف يقدمه نظام الحماية من الإيذاء للمرأة السعودية؟ وهل سيسهم في تقليص معدل العنف الأسري في السعودية؟
النظام يُعتبر نقلة نوعية حقيقية فيما يتعلق بمجال الحماية من العنف والإيذاء في السعودية، وقد جاء شاملاً وداعماً ومؤيداً للجهود كافة المبذولة من الجهات ذات العلاقة في السعودية؛ إذ يقدم المساعدة والمعالجة والرعاية الاجتماعية والنفسية والصحية اللازمة، وقبل ذلك بث التوعية بين أفراد المجتمع حول الإيذاء والآثار المترتبة عليه.
ويتكون النظام من سبع عشرة مادة، تضمنت مواد لآليات التبليغ والاستجابة والتدخل والتأهيل.
ولم يغفل هذا النظام تجريم العنف الأسري، إضافة لمواد تتعلق بالوقاية من العنف، فوزارة الشؤون الاجتماعية تضع الآن اللوائح التنفيذية وإجراءات تطبيق هذا النظام، بالتعاون مع جميع الجهات ذات العلاقة.
** 25 % من أطفال السعودية تعرضوا للتحرش، و82 % من قضايا التحرش بالأطفال تحدث في بيئات آمنة. ما تعليقك؟ وما استراتيجية برنامج الأمان الأسري للحد من التحرش بالأطفال؟
التحرش الجنسي – للأسف – انتشر بكثرة في الآونة الأخيرة، وله آثار جسيمة على الأطفال.
وأفضل الحلول لمواجهته هو توعية الأطفال من قِبل الأهالي لمعرفة أساليب وقاية الأطفال من التحرش الجنسي، إضافة إلى توعية الآباء والأمهات والأطفال بطرق الوقاية والتصدي لهذه الجرائم. وقد ركز برنامج الأمان الأسري الوطني على هذه القضية العام الماضي؛ وأطلقنا الحملة البيضاء لحماية الأطفال من التحرش.
** مع ازدياد معدل العنف ضد المرأة والطفل، هل بات المجتمع بحاجة إلى وزارة تهتم بشؤون المرأة والأسرة؟
نعم، أرى أن هناك احتياجاً لوزارة تهتم بشؤون المرأة والأسرة بشكل عام، ليس فقط من أجل هذا السبب، لكن لأهمية دور المرأة في تربية الأطفال الذين هم عماد هذا الوطن؛ إذ إن تهميش دور المرأة التنموي في أي بلد كان يُعدّ من أهم معوقات التنمية؛ لذا بات دعم وتمكين الأم والمرأة بشكل عام والاهتمام بشؤونها الاجتماعية والاقتصادية والصحية والقانونية ضرورياً لضمان التنمية الشاملة والمستدامة للوطن؛ فهي نصف المجتمع، وهي كذلك من ينجب ويربي النصف الآخر.
**ماذا تنتظرين من المرأة عضو مجلس الشورى؟
عملت عضوة مجلس الشورى الكثير منذ انضمامها له، وما زالت تعمل على ملف تمكين المرأة. إلا أنني أؤمن بأنها، وبحكم تعيينها في موقع صنع القرار، ستشارك في كل ما يساهم في التطوير والتنمية المستدامة لكل أطياف المجتمع.
**ختاماً، ما طموحات مها المنيف الشخصية، وللمرأة السعودية؟
على المستوى الشخصي أطمح إلى أن أكون خير أم لأبنائي؛ ليكونوا فخراً لهذا الوطن، وأن أكون أديت رسالتي بوصفي مواطنة في هذا البلد المعطاء على أحسن وجه.
وأطمح إلى أن أستمر في نشر الثقافة الحقوقية بين أفراد الأسرة؛ لأنني أعتقد أن عدم حصول المرأة على حقوقها لا يعني عدم وجودها، ولكن ممارستها لهذه الحقوق تعرقلها ظروف اجتماعية تتعلق بالعادات والتقاليد؛ وبالتالي فإن حصولها عليها يكون بطيئاً نوعاً ما؛ بسبب هذه الاعتبارات الاجتماعية، وخصوصاً أن هناك موقفاً غير إيجابي تجاه التغيير، لا بد من تجاوزه.
أتمنى للمرأة السعودية مزيداً من التقدم والإبداع؛ فقد مهدت الخطوة الأولى للمرأة السعودية في طريق التقدم والازدهار، بدعم وتشجيع حكومة خادم الحرمين الشريفين؛ وبات لزاماً عليها استكمال طريقها بخطى ثابتة، وفي إطار ما يحثه عليها ديننا الحنيف.