صحيفة “الاقتصادية” في افتتاحيتها بعنوان ( نموذج لاقتصاد قوي يتعثر ) : لا شك أن الحرب الجارية في أوكرانيا، دفعت دولا متقدمة عديدة، وعلى رأسها ألمانيا، للتفكير في إعادة النظر في النموذج الاقتصادي الراهن. فقد اكتشفت هذه الدول أنها لا تمتلك حقا استراتيجية تتعلق بأمن الطاقة مثلا، ولا ضمانات في ساحة سلاسل التوريد، وأنها لا تستند إلى أرضية صلبة على صعيد دفع الإنتاج إلى حدوده القصوى. وتبقى ألمانيا النموذج الأكثر حضورا في هذا المجال. فهذا البلد لا يعاني فقط مشكلات تتعلق بالطاقة وسلاسل التوريد، بل يواجه مصاعب جمة على صعيد تأمين اليد العاملة. وألمانيا مثل معظم الاقتصادات، تضررت بشدة من وباء كوفيد – 19 والقيود التي رافقته. وتسببت الموجة الأولى من انتشار الوباء في انخفاض قياسي في إجمالي الناتج المحلي، إذ سجل أكبر اقتصاد في أوروبا تباطؤا لتجدد انتشار الوباء. ويخشى خبراء الاقتصاد في ألمانيا من أن الأزمة الأوكرانية سينجم عنها كثير من المشكلات، خصوصا تزايد خطر الدخول في دوامة الأسعار والأجور، إلى جانب أزمات أخرى في الغذاء والطاقة، مع بقاء معدل التضخم مرتفعا، وأن العواقب الاقتصادية للحرب الروسية – الأوكرانية ستكون فادحة في جميع الأحوال بالنسبة إلى ألمانيا، أول اقتصاد على المستوى الأوروبي والرابع عالميا. ويواجه الاقتصاد الألماني أوقاتا صعبة، تظهر في المؤشرات المبكرة المتراجعة أن الحرب الدائرة الحالية ستكون بمنزلة إعلان مرحلة مفصلية في الاقتصاد.
ووفق معهد البحث الاقتصادي الألماني، فإن البلاد ستحتاج إلى 500 ألف عامل إضافي كل عام على مدى الأعوام العشرة المقبلة، ما يضع تنافسيتها على المحك. فألمانيا تحتاج بالفعل إلى موجات من الهجرة المنظمة لاستكمال مسارها الاقتصادي الذي تشكل في أعقاب الحرب العالمية الثانية. هذا الوضع ليس حكرا تماما على ألمانيا، فالدول الأوروبية الأخرى التي تتمتع باقتصادات كبيرة، تواجه مشكلات مشابهة، إلا أن الحالة الألمانية لها خصوصية ظهرت على الساحة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية هذا العام. فالاقتصاد الإنتاجي للبلاد اعتمد بصورة أساسية على الطاقة الرخيصة الآتية من روسيا، ولا سيما الغاز. فهذا النوع من الطاقة يمثل 30 في المائة من استهلاك المصانع الألمانية. فقد كان قبل الحرب المشار إليها، يمثل نصف الغاز المستورد، ومع الحرب تدنت النسبة إلى 35 في المائة، ما تسبب في ارتباك إنتاجي شديد ومخيف في آن معا، في ظل عدم وجود مؤشرات على انفراج الأزمة في أوروبا، وغياب أي حلول سياسية لها على الأقل في المدى المنظور.