نتيجة التغير المناخي الذي يلعب الإنسان دوراً رئيساً في حدوثه، بتنا نعيش اليوم في عالم تتزايد فيه الكوارث الطبيعية، وتتَّخذ طابعاً أعنف مما عرفناه في السابق. فهل سنتمكَن في المستقبل من إدارة مناخ الأرض وتعديله إلى الشكل الأفضل؟ وهل سنمتلك يوماً تقنيات علمية متطوِّرة قادرة على تحفيز طاقات الطبيعة، وترويض الكوارث المناخية الطبيعية؟ وماذا يمكن أن يحدث لو استخدم السلاح المناخي في حروب المستقبل؟
حاول الإنسان منذ القدم استنزال المطر، وكانت هناك عدة محاولات لم تسلك المنهج العلمي، واستخدمت المدافع لذلك. ففي بدايات القرن التاسع عشر استخدم المدفع لإطلاق النار في السماء من أجل التأثير على المناخ وإخلال التوازن في الغلاف الجوي، يتسبَّب بدوره في سقوط المطر. وحظيت نظرية الارتجاج هذه بعد ذلك بقبول شعبي، من دون وجود أدلة علمية تدعمها
في عام 1946م، تحققت نقطة تحوّل في هذا المجال، عندما تمكَّن العالم الكيميائي فنسنت شايفر، الذي كان يعمل في شركة “جنرال إلكتريك”، من تلقيح السحب وزرع البذور الجليدية، مستخدماً الثلج الجاف، وهو عبارة عن ثاني أكسيد الكربون في الحالة الصلبة. وبعد هذا النجاح بفترة وجيزة، اكتشف باحث آخر يعمل في الشركة نفسها وهو بيرنارد فونيغوت أن يوديد الفضة يمكن استخدامه بفاعلية في تبذير السحاب لإنتاج الثلج والمطر، ذلك أن التركيب البلوري ليوديد الفضة يتشابه مع الثلج الطبيعي، حيث يتم نثر يوديد الفضة في الغلاف الجوي بواسطة المولدات الأرضية أو الطائرات أو الصواريخ، فيكوّن نواة تتنامى حولها السحب لإنتاج المطر. وهناك مشاريع مستقبلية واعدة في استخدام هذه التقنية، والغرض منها توفيره المياه والقضاء على الجفاف الذي يدمِّر المحاصيل الزراعية في بقاع كثير من العالم.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن الطلب على الماء سوف ينمو بنسبة 25 في المئة بحلول عام 2030م، وقد اعتبر أندرو ليفريس الرئيس التنفيذي لشركة داو للكيماويات أن الماء سيكون بترول القرن الحادي والعشرين، وهناك تخوف حقيقي من ارتفاع سعر الماء في المستقبل، ويرى عديد من العلماء أن حروب المستقبل ستكون على المياه! فكيف الحصول على مزيد من المياه لدرء هذه الأخطار؟
تنظيف الغلاف الجوي
يلعب غاز ثاني أكسيد الكربون دوراً كبيراً في مفعول الامتصاص الجوي الذي يتسبَّب بدوره في ارتفاع درجة حرارة الأرض. وهناك قلق كبير نتيجة نمو كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بوتيرة متسارعة. وإذا استمر هذا الارتفاع فستكون عواقبه وخيمة. ولكنَّ هناك حلولاً مقترحة تتدرج من أشكال بسيطة إلى أنظمة معقَّدة لتنظيف الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون. فالحلول البسيطة مرتبطة بسلوكنا في التعامل مع الكهرباء وترشيد استهلاكنا لها، والتوسع في استخدام الطاقة المتجدِّدة كالطاقة الشمسية وطاقة
وطاقة الرياح. وهناك أنظمة معقَّدة منها: إنشاء الغابات الاصطناعية لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، وتسميد المحيطات بالحديد لتحفيز نمو العوالق النباتية التي تمتص ثاني أكسيد الكربون، ودفن ثاني أكسيد الكربون في صخور البازلت، والاستفادة من ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى طاقة. ولربما نجد في المستقبل القريب محطات توليد كهرباء تعمل على ثاني أكسيد الكربون بدلاً من البخار. فهناك رؤى مستقبلية تسير في هذا الاتجاه. ولنتخيل ماذا يمكن أن يحدث لو أننا تمكَّنا من تحويل التلوث إلى طاقة!
تبريد كوكب الأرض
إن التحكم في الشعاع الشمسي وتقليل حرارة الشمس سيسهم بشكل مباشر في تبريد كوكب الأرض، وسيوازن بينها وبين تزايـد ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وهناك حلول مقترحة منها: نثر الكبريت في الغلاف الجوي لعكس أشعة الشمس، وهذه تم تطبيقها من قبل الطبيعة. ففي عام 1991م، انفجر بركان بيناتوبو قاذفاً كمية هائلة من الكبريت في الغلاف الجوي، وكانت النتيجة مدهشة في خفض درجة حرارة الأرض. ومن ضمن الحلول المقترحة وضع مرايا عملاقة في الفضاء لعكس أشعة الشمــس، أو مظـلات عملاقة توضع في الفضاء للتقليل من أشعة الشمس، ولا شك أن مثل هذه الحلول معقَّدة وباهظة التكلفة وتفوق تقنياتنا الحالية. لكن
مثل هذه الأفكار غير مستبعدة في المستقبل.
مقياس الحضارات المتقدِّمة
في عام 1964م، وضع عالم الفيزياء الروسي نيكولاي كارداشيف مقياساً للحضارات الفضائية المتقدِّمة على أساس سيطرتها على الطاقة في ثلاث فئات. وذهب إلى أن الفئة الأولى هي الحضارة التي تحصد طاقتها من الشمس وتطوّع الزلازل والبراكين ولها القدرة على التحكم في المناخ، والفئة الثانية هي التي تستمد طاقتها الكاملة من النجوم، أما الفئة الثالثة فهي التي تستمد طاقتها من المجرة بكاملها. الأمر الذي يعني أن التحكم في المناخ سمة من سمات الحضارات المتقدِّمة.
أقمار صناعية للتحكم في المناخ
شكَّل التحكُّم في المناخ أرضاً خصبة لكتّاب الخيال العلمي. وكمثال على ذلك تستخدم “ستورم” وهي شخصية خيالية من شخصيات فِلْم الخيال العلمي “إكس-من” سيطرتها على المناخ لإنتاج الأعاصير والعواصف الثلجية والبرق وغيرها من الظواهر. وفي فِلْم الخيال العلمي الحديث “جيوستورم” الذي صدر في شهر أكتوبر من العام الماضي، تم استخدام الأقمار الصناعية للتحكم في المناخ. فماذا لو تحوَّل الخيال العلمي إلى حقيقة؟
لنتخيّل أننا امتلكنا القدرة على السيطرة والتحكم في الطقس وتغيير الظروف المناخية في أي بقعة من الأرض بواسطة الأقمار الصناعية. إن وجود مثل هذه الأقمار الصناعية أعقد مما نتصور، ستكون أنظمتها معقَّدة جداً ومزوَّدة بتقنيات متقدِّمة جداً لتوليد الموجات الكهرومغناطيسية ذات الطاقة العالية ومدافع ليزرية ومدافع الميكروويف، تكون بدورها قادرة على تغيير المناخ من خلال التحكم بالعوامل الأساسية كدرجة الحرارة.
فتغيرات بسيطة في درجة الحرارة مثلاً قادرة على تخفيف شدة الأعاصير وتغيير مسارها. إذ إن التغيرات البسيطة تؤدي إلى نتائج كبيرة، وهذا ما يعرف بنظرية الفوضى، وبإمكان الأقمار الصناعية الافتراضية تكوين السحب وتوليد الصواعق والبرق باستخدام المدافع الليزرية. وهناك أبحاث وتجارب علمية واعدة في استخدام أشعة الليزر في هذا المجال بالذات.
وعلى الرغم من أن وجود أقمار صناعية مستقبلية قادرة على التحكم في المناخ عملية مكلفة ومحفوفة بالصعاب ومعقَّدة جداً، إلا أنها ليست مستحيلة. بل هي ممكنة من الناحية النظرية. وفي هذا يقول عضو مجلس الإدارة في الشركة العاملة في مجال الفضاء “OHB System AG” أندرياس ليندينتال: “إن الناس يكرسون أبحاثهم على أشعة الليزر ذات الكفاءة العالية التي يمكن وضعها في المدار. بالنسبة لي، هي مسألة وقتٍ ليس أكثر”. وامتلاكنا لهذه الأقمار الصناعية في المستقبل القادرة على التحكم في المناخ، سيحقِّق قفزة تقنية عظيمة، وهذا يعني أن حضارتنا البشرية ستكون ضمن الصنف الأول من الحضارات المتقدِّمة