قال تقرير لوكالة “أسوشيتد برس” إن هناك “لغزًا” في الأزمة الأوكرانية مفاده أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدفع أوروبا إلى حافة الحرب ليطالب الغرب بعدم تنفيذ شيء هو لا يخطط أساسًا لتنفيذه.
وتقول روسيا إن حلف الناتو، الذي تقوده الولايات المتحدة ويواجه أكبر أزمة أوروبية منذ عقود، يجب ألا يعرض على أوكرانيا الدخول في عضوية الحلف.
ولطالما رغبت أوكرانيا الانضمام إلى الناتو، لكن الحلف ليس على وشك تقديم الدعوة، ويرجع ذلك لعدة أسباب منها، الفساد الحكومي وأوجه القصور في مؤسستها الدفاعية، وافتقارها للسيطرة على حدودها الدولية، وفقًا للتقرير.
تقول الوكالة إن “مطالب بوتين تتجاوز مسألة ارتباط أوكرانيا بحلف الناتو، لكن هذه الحجة تعتبر أساسية لشكواه من أن الغرب دفعه إلى أقصى حدود الصبر من خلال الاقتراب من الحدود الروسية”.
ويؤكد بوتين أن توسع الناتو خلال السنوات الماضية عزز أمن الحلف على حساب روسيا.
يطالب الروس بضمان قانوني لمنع أوكرانيا من الحصول على عضوية الناتو، مع العلم أن الناتو من حيث المبدأ لم يستبعد أبدًا منح العضوية لأي دولة أوروبية، حتى روسيا نفسها.
ويشير التقرير إلى أنه ومع ذلك ليس لدى الحلف أي خطة لمنح الأوكرانيين العضوية في المستقبل المنظور.
ويقول الحلف إن جميع الدول يجب أن تكون حرة في اختيار الجانب الذي تريد الاصطفاف معه.
لماذا إذن تثير موسكو قضية علاقة أوكرانيا بحلف الناتو الآن؟ تقول الوكالة إن الجواب على هذا السؤال “معقد”.
لماذا يشعر بوتين بالقلق من انضمام أوكرانيا إلى الناتو؟
السبب المعلن هو أن أي توسع إضافي للناتو باتجاه الشرق من شأنه أن يشكل تهديدًا أمنيًا لروسيا، وهو ما تفنده واشنطن وحلفاؤها، باعتبار أنه لا يوجد بلد في الناتو يهدد باستخدام القوة ضد روسيا.
على نطاق أوسع، يريد بوتين من الناتو سحب وجوده العسكري الحالي من أوروبا الشرقية، والذي يتضمن سلسلة من التدريبات الدورية في ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وجميعها من دول الاتحاد السوفيتي السابق.
لا توجد قوات أميركية متمركزة بشكل دائم في دول البلطيق الثلاث. ويقول البنتاغون إن هناك حاليًا حوالي 100 جندي يخدمون بشكل دوري في ليتوانيا ونحو 60 في إستونيا ولاتفيا.
كما يعارض بوتين وجود أنظمة دفاع صاروخي تابعة لحلف شمال الأطلسي في رومانيا، وقاعدة مماثلة قيد التطوير في بولندا، قائلاً إنه يمكن تحويلها إلى أسلحة هجومية قادرة على تهديد روسيا.
وافق الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع على إرسال 2700 جندي أميركي إضافي إلى أوروبا الشرقية، 1700 إلى بولندا و1000 إلى رومانيا، بالإضافة إلى 300 إلى ألمانيا.
تتمتع أوكرانيا بعلاقات تاريخية وثقافية عميقة مع روسيا، وقد أكد بوتين مرارًا وتكرارًا أن الروس والأوكرانيين “شعب واحد”.
وقال أيضًا إن أجزاءً كبيرة من الأراضي الأوكرانية هي أجزاء تاريخية من روسيا، تم منحها بشكل تعسفي لأوكرانيا من قبل القادة الشيوعيين في ظل الاتحاد السوفيتي.
وصف بوتين مؤخرًا قلقه بشأن أوكرانيا بشكل أكثر تحديدًا، حيث رسم سيناريو قد تستخدم فيه أوكرانيا القوة العسكرية لاستعادة شبه جزيرة القرم، التي استولت عليها روسيا من أوكرانيا في عام 2014، أو لاستعادة المناطق في شرق أوكرانيا التي يسيطر عليها الآن الانفصاليون المدعومون من روسيا.
وقال بوتين: “تخيل أن تصبح أوكرانيا عضوًا في الناتو وتبدأ تلك العمليات العسكرية.. هل يجب أن نحارب الناتو إذن؟ هل فكر أحد في ذلك؟”.
في الواقع، فكر البعض في الناتو في احتمالية نشوب حرب موسعة مع روسيا داخل أوكرانيا.
تقول أسوشيتد برس إنه “تذكير بما تعنيه عضوية الناتو، فالهجوم على عضو واحد يعني هجوم على الجميع، وهو ما يعني في الحالة النظرية أن هناك التزامًا قانونيًا من قبل جميع أعضاء الناتو للدفاع عن أوكرانيا”.
ما هي تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى الناتو؟
وفقًا للتقرير فإن احتمالات انضمامها للحلف بعيدة المنال في المستقبل المنظور.
فقد أعلن رؤساء حكومات الناتو في عام 2008 أن أوكرانيا، وجارتها جورجيا، الجمهورية السوفيتية السابقة، “ستصبحان عضوين في الناتو”، لكن لم يذكر الرؤساء متى أو كيف.
من ناحية أخرى، قررت الولايات المتحدة وقادة الناتو الآخرون، عدم منح أوكرانيا وجورجيا، ما يُعرف بخطة عمل العضوية، وهي بداية للحصول على العضوية النهائية.
وعارضت ألمانيا وفرنسا بشدة تقريب أوكرانيا من العضوية، وكان الرأي الأوسع داخل حلف الناتو هو أنه سيتعين على كييف استكمال إصلاحات حكومية بعيدة المدى قبل أن تصبح مرشحًا للعضوية.
وهذا يعني أن باب الناتو مفتوحًا، لكن مع ذلك فإن أوكرانيا لن تستوفي شروط الدخول في أي وقت قريب.
كيف يضغط بوتين على أوكرانيا؟
تقول موسكو إنها لا تعتزم غزو أوكرانيا، لكنها حشدت خلال الأشهر الماضية أعدادًا ضخمة من القوات القتالية على طول الحدود مع أوكرانيا وألمحت إلى أنها ستتخذ إجراءات من نوع ما إذا لم يتم تلبية مطالبها من قبل واشنطن وحلف شمال الأطلسي.
تقول إدارة بايدن إن روسيا قادرة الآن على مجموعة واسعة من الإجراءات، بما في ذلك غزو واسع النطاق للاستيلاء على كييف.
يقول بوتين إن الناتو ذهب بعيدًا ليس فقط من خلال تزويد أوكرانيا بالأسلحة والتدريب العسكري، ولكن أيضًا من خلال نشر قوات في دول أوروبا الشرقية الأخرى مما يعرض الأمن الروسي للخطر.
ومن الواضح أيضًا أن زيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشرقية خلال العقد الماضي كانت ناتجة عن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وتوغلها في شرق أوكرانيا في عام 2014.
دفعت تلك الإجراءات الروسية الناتو إلى مضاعفة تركيزه على الأمن الجماعي، ففي سبتمبر 2014، أنشأ قادة الناتو قوة استجابة سريعة جديدة قادرة على الانتشار في غضون أيام، وجددوا تعهداتهم بزيادة إنفاقهم الدفاعي.