“أبيات” هو ديوان جديد للأمير خالد الفيصل تتلخص فيه تجارب السنين شعراً، وعلى الورق تتسامى المعاني حباً للوطن وولاءً لقيادته، “أبيات” الذي يحوي بين دفتيه ما يزيد عن 100 قصيدة، أراد سموه من خلالها بثّ رسائل معناها ليس في بطن الشاعر، بل حِكم استقاها من تجارب الحياة وصروفها، وقدّمها للمتلقي في قالبٍ شعري تميّزَ برشاقة التعبير ودقّة التصوير وسمو اللفظ وقوّة السبك.
إيجاز وإبداع
“أبيات” المسكون بروح وعقل ووجدان خالد الفيصل يعكس وصول الشاعر إلى قمة من قمم العطاء، يتضح ذلك جلياً في تنوّع الديوان بين الثُنائيات والثلاثيات والرُباعيات وصولاً إلى التساعيات التي تُعزّزُ ثقافة الإيجاز وفي ذلك إشارة إلى بلوغ الإبداع الذي تتجلى فيه البراعة في توظيف المفردة بإتقان.
وهذا ما تتطلبه أبيات الحكمة المفعمة بالوضوح والتي يحمّلُها الشاعر معاني سامية، واستفهامات تبحثُ عن إجاباتِ تارةً، وأخرى تلامس الواقع الذي نعيشه بتعجب، وقد وظّفها الفيصل في “أبيات” ليوقظ الهمم النائمة، ويدفعها نحو المعالي التي طالما نادى لها وناشد لأجل بلوغها.
تجربة مختلفة
ديوان “أبيات” يدشّنه الأمير خالد الفيصل في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ينطلق الأسبوع الحالي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – ويقام في “واجهة الرياض” بمشاركة أكثر من 1000 دار نشرٍ محليةٍ وعالمية،ويخصص ريع الديوان لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، وتتولى جرير نشره. ويحكي “أبيات” قصة تجربة شعرية مختلفة تزاحمت عند شاعرها القوافي، فأثمر عن ذلك توظيف المناسب من رفيع المعاني وتسخير المؤثرِ من الكّلِم لإيصال رسالته.
فضاء إبداع
إن عتبة الغلاف تعكس هوية المكان الذي استقى منه الفيصل تجربته الشعرية، كما أن صورة سموه على الغلاف تدل على ارتباط ثانٍ بين الشاعر والكلمة في ترابطٍ إبداعي مدهش يخرج لنا أبيات، أما في فضاء الديوان فقد كان لدايم السيف براعة في التدرج بدأها بالثنائيات وأنهاها بأبيات خالد الفيصل في دلالة مقصودة على حكمة التدرج.
ومن زاوية أخرى نجد فضاءً بصرياً متجدداً تتوظف فيه العدسة والريشة واللون لتندمج بإتقانٍ مع فضاء الكلمة، ولم يخل الديوان من تشكيلٍ متعمد بالأحرف الأبجدية تأكيداً لأهمية اللغة العربية واعتزاز سموه بها وتغزّله الدائم بجمالها وأناقتها؛ إذ لم يتعمَّد إبراز حرفٍ دون الآخر، بل جاءت متناغمة مع لون الصفحات مُعززةً بذلك رؤيته تجاه اللغة العربية.
تساؤلات الفيصل
أما في إنتاج المعنى، فقد وظّف الأمير خالد الفيصل التساؤلات بتوسّع في ديوانه الجديد لتكون مدخلاً لمقاربة الأفكار التي يريد إيصالها، فمثلاً نجد ذلك في قصيدة “ليه يختار العرب؟” حيث جاء الاستفهام، وقوداً أراد به إشعال هِمم الأمة لتخرج من عباءة السبات إلى ساحات الشرف والأمجاد، ولتنتقل من حياة الخجل إلى عالم المشاركة الفاعلة، وأن يكون لها دورها الريادي في مختلف المجالات، فقال:
ليه يختار العرب عشّ الحمايم؟
والعدو يختار مخلاب الصقور
وهنا أكد على ثقافة الإيجاز والتدرج إضافة إلى أسئلة المعنى، ولأن خالد الفيصل دوماً ما يكسو قصائده بردة الحكمة، فلا تكاد قصيدة له تخلو منها لتبقى راسخةً في ذهن المتلقي، وهذا ما مَيَّزَ أسلوبه الشعري منذ البدايات فقد حرص على تعزيز هذا الجانب إيماناً منه بأن البقاء للمفردة الأقوى وذات التأثير الأبلغ. يقول:
كان ودّك ترفع الراس بمعزَّة
لا تدوّر فرصة العمر بمهونة
وفي هذا البيت رسالة إلى أن علوّ الشأن وبلوغ العز لا يأتي بالهوان، فالعلا لا تتأتى لأحدٍ إلا من بوابة المعالي، وخلاف ذلك وهمٌ وسرابٌ مصيره التلاشي ولو بعد حين، ويؤكد ذلك بقوله:
المعالي غاية للطامحين
جنّب اللي ما به من الطيب ذرَّة
إن التجارب التي تشرّبها الأمير خالد الفيصل على مدى ثمانية عقود صقلته فكراً وحياة، فهِمّتُه لا تتزعزع، وطموحه لا حدّ له، كما أن العمر -بالنسبة له- مجرّد رقم مقابل ما تشرّبهُ من مواقف وتجارب، والدليل على ذلك قوله:
أذوّب الوقت واشرب منه فنجالي
واسابق الشيب لا يقضي على حالي
ولأنّ الأربعين عمر الحكمة فقد طرح الفيصل أمنيته بالعودة إليها ليس لأجل العودة فحسب؛ بل لتأكيد الحكمة بأخرى لمراجعة الحسابات، وهذه صِفةُ العقلاء التي يكتسبونها مع مرور السنين، يقول:
ودّي آعوّد لسن أربعين
وارفع خطاي عن ماطا خطاي
واغسل النفس من رايح مطر
وارجم ابليس من ماطر حصاي
ولأن الحكمة لها ارتباطها الوثيق بالعقيدة وثوابتها؛ فقد أكّد أن لها منهجاً يؤمن به ويدعو إليه، يقول:
يا محكّمٍ شرع الله بعصر الأحزاب
يهناك شعبٍ بالشريعة يماري
دستورك القرآن من رب الأرباب
ما جمّعة لجنة يمين ويساري
أما في سياق القصائد الوطنية فإن “دايم السيف” دأب على توجيه قريحته الشعرية صوب الوطن، وكرّس قافيته للتغني به والمفاخرة بمنجزاته، ويستدل العاشق لكلٍ شبرٍ من ثراه على ذلك بقوله:
انشغلت بحبها حدّ الهيام
ديرة اصل الناس واوّل بيت قام
ما عزّنا الله غير بالدين والشرع
دستورنا تنزيل علاّم الاسرار
وترجم الأمير خالد الفيصل محبته ووفاءه وولاءه لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -يحفظه الله- شعراً في الكثير من المناسبات، مُشيداً بإنسانيته ومفاخراً بحنكته كقائد، فقال في إحدى قصائد أبيات:
يا ابن صقر الجزيرة واسمك الصقر سلمان
صرت فوق المعالي في سماها والازمان
وللفخر في شعر الفيصل وقفات، فهو القادم من الصحراء بفكر العالم الأول، وطموح التطوير دون المساس بالثوابت والقيم يقول:
حنا البدو نبني الصحاري حضارة
وحنا هل التوحيد علم وصدارة
ولأن المنجزات لا تتحقق إلا بالعزيمة والعمل، فهو القائل نثراً: “بالإرادة والإدارة تتحقق الصدارة”، وشعراً يترجمها بالقول:
لا يفوت الوقت وحنّا نايمين
كلًّ يقدم عن التقصير عذره
وللجنود المرابطين على الثغور من شعر الفيصل نصيب الأسد فخراً وشحذاً للهمم وأمنيات بالمشاركة، فجعلهم أنموذجاً وقدوة لغيرهم، حيث قال:
المراجل ما تبي إلا ولد
مثل من يحمل على الحد السلاح
ويحرص الأمير خالد الفيصل دوماً على تأصيل مبادئ الدين الإسلامي عبر المنابر كلماتٍ وقصائد، ليقدّم من خلالها وصفاتٍ هي في واقع الحال بمثابة منهجٍ لا يضيع من اتبعه. يقول في قصيدة بعنوان “عرّب وليدك”:
عرّب وليدك قبل تغريبة الوقت
لا يطرح الغتره على طايح البشت
إن صناعة المعنى في شعر “دايم السيف” تتجلى في تعريفه للشعر، إذ يقول:
الشعر ابداعٍ ومعنى وإحساس
وفكر وخيال وصوت حرب وسلام
وهذا تعريفٌ شامل لا يخلو من رؤية شاعرٍ خبِرَ الحرف والحياة.
وعلى صفحات آخر الديوان يُعيدُ الشاعر للكلمات رونقها، لتبدو مثل البدايات، فيرسم عليها بريشة الفنان جُملاً وأمنياتٍ يلونها بالبسمة، ويكسوها ثياب الشموخ والمعالي، يقول:
دقّوا الدفوف .. سلوا السيوف
لعيون ذا العَنْدا الهنوف
ورغم الظروف .. ترجع البسمة
وهناك حيث الخاتمة انتقل “الفيصل” من الحديث من وإلى الناس للمناجاة في تدرُجٍ آخر من العموم إلى الخصوص، فكانت كلماته أمنيةً بين إنسان وربه، مناجاة بين صوتٍ ومستجيب، وحديثٌ بين اثنين لا ثالث لهما.