أصبحت قضية انتهاء مهلة تصحيح العمالة المخالفة وبدء حملة متابعة تعقب المخالفين حديث الشارع السعودي (بشيبه وشبابه صغاره وكباره اقتصاديين ومحللين ومترقبين لحال السوق الاقتصادي)، وما سيتأثر به.
ولكل خطوة تبعاتها الإيجابية والسلبية التي قد تظهر.
منهم من اعتبرها خطوة جيدة ينتظرها الشباب السعودي منذ فترة لتوطين العمالة في السوق، ومنهم من قذفها تحت عدة مبررات منها عدم توافر شباب قادرين على دخول سوق العمل بجدية حرفية ومهنية لسد العجز الذي سيحصل في مراحل متعاقبة، مبررين حديثهم هذا بما شهدته بعض الأعمال والقطاعات من مشاكل نتيجة لنقص عمالتها.
تساؤلات وعلامات استفهام، عن مدى استعداد معاهد التدريب التقني والمهني في تغذية سوق العمل بعمالة حرفية ومهنية مؤهلة تستطيع سد النقص الكبير الذي خلفته عملية التصحيح.
وإذا كانت الأرقام تشير إلى ترحيل نحو مليون عامل، فنحن أمام تساؤل منطقي هل توجد عمالة وطنية يمكن أن تدخل سوق العمل وتعمل بجدية، لسد أي عجز موجود، بالرغم من تأكيدات التدريب التقني والمهني أنها على استعداد تام لسد العجز في سوق العمل، يشير رجال أعمال ومختصون أن العمالة الوطنية الحرفية غير موجودة على أرض الواقع.
تم تسليط الضوء على بعض الانعكاسات الاقتصادية على السوق السعودي نتيجة لانتهاء حملة التصحيح وبدء حملة التفتيش.
ندرة العمالة:
على ما يبدو أن اليد العاملة النظامية ذات الخبرة أصبحت مجال بحث أصحاب القطاعات والمنشآت الصناعية لعدم توفرها وندرتها في الوقت الحالي.
حيث قال رجل الأعمال محمد بريمان: إن التنظيم والجهد الذي قامت به وزارة العمل رائع جداً، ولا يستطيع أحداً أن ينكر هذا الجهد، بيد أن ضيق وقت المدة التصحيحية سوف يؤثر بشكل فعال على الاقتصاد الوطني، منوهاً إلى أنه كان على “العمل” إمداد المدة ليتسنى للجميع تصحيح أوضاعهم؛ لكي لا تغلق عدد من الشركات أبوابها كما حدث لبعضها، وما سينتج عن هذا الإغلاق من تأخر إنجاز عدد من المشاريع الاقتصادية، وتساءل هل نصحح أخطاء سنوات في عام واحد؟! معتبراً ذلك تخريباً للمشاريع وليس حلاً للمشكلة.
موضحاً في سياق حديثه أن “العمل” تحاول أن تفرض على أرض الواقع ما ليس موجوداً، وأن هناك مهناً لا يمكن أن يعملها المواطن وخاصة في قطاع الإنشاءات، وقال: منذ أكثر من خمسة شهور وأنا أطالب بتأشيرات لعمالة نظامية، إلا أن المعاملات تأخذ وقتاً طويلاً، مطالباً بضرورة إسراع التعامل مع التأشيرات وفتح الاستقدام، وعلى “العمل” أن تُجبر من تمسكه مخالفاً بالتصحيح، بدلاً من ترحيله.
مواجهة السوق:
فيما أكد المتحدث الرسمي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فهد العتيبي أن المؤسسة مستعدة وقادرة على إمداد سوق العمل السعودي بالأيدي العاملة الوطنية المدربة، لسد النقص فيه، موضحاً أنها تقوم بتدريب وتأهيل الشباب السعودي في التخصصات التقنية والمهنية التي يحتاجها سوق العمل، من خلال الكليات والمعاهد التابعة لها في أنحاء المملكة.
وتقوم بتأهيل كافة الكوادر في مجالات متعددة، أبرزها المجالات الكهربائية؛ واللحام، والتكييف والتبريد الميكانيكي، وتشغيل آلات الإنتاج، والكهرباء الصناعية، والميكانيكا العامة، والإنشاءات المعمارية، وتشكيل الألواح المعدنية والسباكة والنجارة.
كاشفاً عن عدد المتدربين والمتدربات في الوحدات التدريبية الحكومية العام الماضي، حيث اقترب من 116 ألف متدرب ومتدربة، يتم تدريبهم في الكليات التقنية بنين (36) كلية، وبنات (18) كلية، والمعاهد الصناعية (72) معهداً، موضحاً الهدف الرئيسي التي تقوم عليه المؤسسة من تأهيل للكوادر الوطنية وإكسابها المهارات اللازمة للالتحاق بسوق العمل، وحرصها على ربط برامجها التدريبية ومناهجها باحتياجات سوق العمل. وهناك ما يقرب 73% من خريجي المؤسسة التحقوا بسوق العمل خلال الخمس سنوات الماضية في قطاعات حكومية وخاصة، ومنهم 18% فتحوا مشروعات خاصة بهم، وذلك حسب إحصاءات المرصد الوطني للقوة العاملة.
العصا في عجل الاقتصاد:
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد دليم القحطاني في رده على تصريح مؤسسة التدريب التقني بخصوص استعدادها لإمداد سوق العمل بالأيدي العاملة الوطنية المدربة والتي يحتاجها السوق: هذا صحيح بيد أنه ينصب في صالح الشركات الكبرى، وليست في مصلحة المؤسسات الصغرى التي أكثر تأثيراً في الاقتصاد السعودي، مؤكداً أن مخرجات المعاهد الفنية غير مهيأة لتخريج مهن مثل المقاولات، وستغطي فقط عشراً في المائة من هذه المهن.
ولفت أن هذا سيرفع أجرة العمالة النظامية الحالية في قطاع المقاولات بنسبة 30%، وستزيد مع مرور الوقت ونقص الكوادر، متوقعاً ارتفاع إيجارات المساكن والمحلات التجارية بنسبة 30% ما لم يتخذ قرار إستراتيجي بشأنه وقال: ستقع وزارة الإسكان بين منعطفين خطيرين هما نقص الكوادر في قطاع المقاولات واستكمال باقي خططها، وحتى لا يصاب قطاع المقاولات بالشلل طالب وزارة الإسكان العمل ليلاً ونهاراً لإيجاد حلول سريعة لأزمة المساكن المستقبلية.
وتابع “القحطاني” أنه وفقاً لتصريح وزير العمل، فإن نسبة العمالة التي تم ترحيلها بلغت مليون، ونسبة ما تم تصحيح أوضاعهم بلغت 4 مليون، لافتاً أن 80% من نسبة العمالة المتبقية وهي مليونان يقف أمامهم عائق نظام العمل المربوط بعدة جهات كالتأمينات والجوازات.
وحول ترحيل العمالة لفت أنه سيعرقل حركة الاقتصاد خاصة في المؤسسات الصغيرة التي تعتبر شريان الاقتصاد السعودي بشكل مباشر؛ كمغاسل الملابس والسيارات، والبوفيهات، والبقالات الصغيرة، ومحلات الأصباغ، والديكورات وقطاعات البناء وما يتبعه من كهرباء وسباكة ونجارة، مؤكداً أن قطاع المقاولات من أكثر القطاعات في المرحلة الحالية التي ستتأثر بشكل مباشر، وقال: إن سوق العمل يحتاج إلى أكثر من ثلاثة مليون عامل في قطاع المقاولات فقط.
واستبعد القحطاني عمل المواطن السعودي حالياً في المهن الحرفية المرتبطة بالمقاولات كالبناء والنجارة والحدادة والسباكة والكهرباء، والتي تتطلب العمل تحت لهيب الشمس، مؤكداً عدم جاهزية القوى العاملة السعودية لسد هذا العجز في الوقت الحالي.
عمالة هامشية:
أكد الكاتب والمحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن قطاع المقاولات من أكثر القطاعات التي تضررت، وهذه نتيجة طبيعية لاعتماد غالبيتها على العمالة المخالفة، التي تأثرت لترحيل عمالتها، وأوضح أن شركات المقاولات الملتزمة لن تواجه مشكلة في استكمال مشروعاتها، ومن الممكن تطبيق معايير السعودة في الجانب الإداري بهذه الشركات، بيد أنه لا يمكن الاستغناء عن العمالة الأجنبية في هذا القطاع.
واصفاً العمالة التي تم ترحيلها في الفترة الماضية بـ”الهامشية” وقال: إن سوق العمل لم ولن ينهار بترحيل هذه العمالة المخالفة، وهذا دليل أنها لا تؤثر في سوق العمل، بل تقدم خدمة متدنية لمن يبيعها بسعر مرتفع، معتبراً ترحيل العمالة المخالفة فرصة ذهبية لخريجي معاهد التقنية، للعمل في الورش التي أغلقت، وأوضح جاهزية هذه المنشآت وحاجاتها للتشغيل من الشباب السعودي.
يذكر أن الهدف من وراء الحملة التي بدأت لملاحقة العمالة المخالفة مع الانتهاء من مهلة التصحيح حسب تصريحات وزارة الداخلية هو ضبط “الوافدين الذين يعملون لحسابهم، والمتأخرين عن المغادرة من القادمين بتأشيرات حج أو عمرة أو زيارة بأنواعها أو للسياحة أو للعلاج، أو المتسللين وإيقافهم في مواقع مخصصة للإيواء، واستكمال الإجراءات النظامية لتنفيذ إيقاع العقوبات بحقهم وترحيلهم”.