أصبح مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية مؤسسة إصلاحية تربوية تعنى بتنمية المهارات المعرفية والسلوكية من خلال مجموعة من البرامج التي يقوم عليها نخبة من أصحاب العلم والخبرة في التخصصات العلمية المتنوعة.
ويسعى المركز إلى أن يكون نموذجاً عالمياً لتحقيق الأمن الفكري، معتمداً على وسطية الإسلام وتعزيز روح الانتماء الوطني.
وتحولت تجربة المناصحة، متمثلة في مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، إلى أنموذج يمثل تغليب الجانب الإنساني والأبوي في التعامل مع المتطرفين أو المغرر بهم، مستمدة منهجها من الشريعة الإسلامية الوسطية.
وتحقق النجاح لهذه التجربة، حيث إن المركز ومنذ أن نشأ في عام 2006م تبنى إستراتيجية مبنية على رؤية ثاقبة ودراسات علمية رزينة واقعية في ظل التنفيذ السليم على يد رجال أكفاء حولوا تلك الإستراتيجية إلى نظرية تلقى الإعجاب على مستوى العالم، حتى تحولت إلى مطلب ملح في الدول التي تعاني من تفشي داء الإرهاب في مفاصلها.
مقابلة الإساءة بالإحسان
كان بإمكان المملكة أن تواجه الإرهاب بنفس الطريقة التي تعامل بها الإرهابيون مع بلدهم عندما خانوا الأمانة ودنسوا الأرض المباركة بدماء رجال الأمن الطاهرة والأبرياء من المسلمين مستترين خلف شعار الجهاد المزعوم، لكنها قابلت الإساءة بالإحسان وقدمت العفو عند المقدرة بدلاً من إيقاع الجزاء والعقاب عليهم.
مهندس الرؤية
وكانت الرؤية الثاقبة للمهندس الحقيقي لفكرة المناصحة من وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف هي الغالبة في هذا الأمر فقد رأى أن الإرهاب فكر يتحول إلى فعل، فبحث عن الجذر لا الفرع، فكانت مواجهة المملكة للإرهاب مواجهة فكرية تقوم على المناصحة والإقناع للمتطرفين والمغرر بهم، رغم أنها لم تغفل الحل الأمني في الحدود التي يجب أن يكون فيها.
وجاءت مواجهة الدولة للمتطرفين والمغرر بهم عبر لجان المناصحة التي انطلقت كبذرة سقيت ورعيت حتى أثمرت، فكان مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، الذي يعد دوره علامة فارقة على مستوى العالم في مواجهة الفكر الضال ومناصحة المغرر بهم وإعادتهم لجادة الصواب ودمجهم في المجتمع.
ولم تتوقف استراتيجية وزارة الداخلية عند حدود المكافحة الأمنية بالضبط والتوقيف، بل تعدت ذلك إلى استثمار الإنسان ومراعاة كرامته وحقوقه وحاجاته في مكافحة الإرهاب، ووظفت البعد الإنساني بشكل يستحق الإشادة.
التأسيس والهدف
وقد تم تأسيس مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بفكرة من الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز عندما كان مساعداً لوزير الداخلية للشؤون الأمنية، وحظيت بدعم وتأييد من الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الراحل؛ حيث صدرت التوجيهات الكريمة لجهات الاختصاص بوزارة الداخلية بتشكيل اللجان الشرعية من المشايخ وبمشاركة من العلماء الشرعيين والمستشارين النفسيين والاجتماعيين.
2006 انطلاقة المركز
بدأ عمل المركز عام 2006م لاستيعاب المتورّطين في الفكر الضال وإعادة إدماجهم في المجتمع وتصحيح مفاهيمهم عن طريق الاستفادة من برامج المركز المختلفة والوصول بالمستفيد منه لمستوى فكري آمن ومتوازن له ولمجتمعه، ومساعدة المستفيد منه أيضاً على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية التي قد تواجهه بعد استكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه.
وتساعد برامج المركز من غرر بهم على إدراك أخطائهم والعودة لجادة الصواب، والاندماج في المجتمع كمواطنين صالحين ومنتجين لصالحهم وأسرهم ووطنهم.
ويضم المركز مجموعة من الخبراء والمستشارين النفسيين والاجتماعيين، إضافة إلى علماء دين وشريعة فيما يعرف بلجنة المناصحة.
وكانت لجنة المناصحة قد تشكلت قبل المركز بسنتين ثم تمت إعادة هيكلتها في شكل مركز رسمي.
ويمثل برنامج المناصحة المرحلة الإجرائية الأخيرة لإطلاق سراح الموقوفين لدى الجهات الأمنية بصفة نهائية أو بصفة مشروطة.
برامج المناصحة
وتتكون جلسات الإرشاد المنفردة من عدة جلسات قصيرة في حدود الساعتين، تبدأ غالباً بعد صلاة المغرب وتمتد إلى وقت متأخر من الليل، وهي ليست محاضرات أو دروس وإنما حوار مفتوح تتخلله المداعبة والأريحية، ويتسم الحوار بالشفافية والصراحة المطلقة وذلك داخل السجون، وفي الغالب لا تقود هذه الجلسات إلى قيام النزلاء بنقض أفكارهم.
وهناك جلسات الدراسة المطولة يقوم فيها علماء دين وعالم اجتماع بقيادة مجموعة من الأشخاص في برنامج محاضرات لمدة ستة أسابيع، يتم خلاله تغطية عشر مواد دراسية تتضمن المواد التالية: التكفير، الولاء والبراء، البيعة، الإرهاب، القوانين الفقهية للجهاد، والاعتداد بالنفس.
التقسيم الهيكلي للجان المناصحة
-اللجنة المركزية وتتكون من ثلاث لجان فرعية هي: اللجنة الشرعية وتتكون من سبعة متخصصين شرعيين يقومون بالتفاعل المباشر مع المحتجزين من خلال الحوار والنقاش، اللجنة النفسية وتتكون من خمسة متخصصين نفسانيين واجتماعيين وتقوم هذه اللجنة اعتماداً على خبرة أعضائها في الطب النفسي وعلم الاجتماع بتقييم وضع المحتجزين وحاجاتهم الاجتماعية، واللجنة الأمنية وتتكون من عدد من رجال الأمن من ذوي العلاقة.
-اللجنة التنظيمية: اللجان الميدانية المنتشرة في جميع مناطق المملكة وهي لجان شرعية نفسية اجتماعية لكل منها منسق شرعي يرأسها ويشرف على سير أعمالها في سجون منطقته.
آلية العمل في لجان المناصحة الميدانية
وكانت المناصحة في البداية مناصحة جماعية تلتقي فيها اللجنة بعدد من الموقوفين يتراوح بين أربعة إلى ستة، ثم بعد أن ثبت خطأ التجربة في المناصحة الجماعية، تحولت المناصحة إلى مناصحة فردية، بحيث يجلس الموقوف بمفرده في الجلسة الواحدة مع اللجنة، لمدة زمنية تتراوح بين الساعة والنصف إلى الساعتين، وبعدها تعد اللجنة تقريرها عن حالته بما تراه، وفي نهاية كل شهر تقوم لجان كل منطقة بإعداد تقرير شامل.
ويضم المركز عدداً من البرامج الإصلاحية التي يقدمها نخبة من الأكاديميين، وتحوي أقسام المركز مرافق تعليمية وثقافية ورياضية وترفيهية وصحية وغيرها.
تأهيل اجتماعي
ويهدف البرنامج الاجتماعي إلى تأهيل المستفيد وأسرته للانخراط والتعامل مع ظروف الحياة وهي عبارة عن عدد من المحاضرات الاجتماعية لتأهيلهم كيفية التعامل مع المجتمع عند خروجهم، ويتم تأهيله أيضا بزيارة أسرته لعدة أسابيع.
وهناك برنامج للأسر المستفيدين يقدمه فريق من مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية.
وتحرص وزارة الداخلية على إعطاء مكافأة مالية للمستفيدين بعد إطلاق سراحهم، ما يكون له دور كبير في مساعدتهم على الانخراط في المجتمع.
العلاج بالفن التشكيلي
واستعان القائمون على مركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية بالعلاج بالفن التشكيلي، حيث يقوم أكاديميون متخصصون في الفن التشكيلي بتقديم محاضرات وأعمال فنية بمشاركة المستفيدين تعكس مدى تجاوبه مع ما يقدمه المركز لهم.
ألعاب رياضية
تضم الاستراحات التابعة لمركز محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، كافة الألعاب الرياضية من ملاعب كرة قدم ومسابح وتنس طاولة وغيرها وألعاب إلكترونية “البلاستيشن”.
وتعد تجربة المناصحة بالمملكة العربية السعودية تجربة فريدة متميزة، حيث استطاعت أن تحقق نجاحا عالميا حيث أطلق على مدى ثمانية أعوام منذ إنشائه سراح دفعات من العائدين من جوانتانامو ومناطق الصراع الأخرى.
اهتمام دولي بالمركز
وحظيت التجربة باهتمام كبير من قبل حكومات ومنظمات حقوقية في كثير من دول العالم للاستفادة من هذه التجربة ونقلها إلى بلدانهم وهذا ما أكده التقرير الصادر عن “مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي” والذي أعده الباحث كريستوفر بوشيك حيث طلق على برامج المناصحة والتأهيل مسمى “إستراتيجية السعودية اللينة”، و”القوة الناعمة” وذكر أسماء دول قد استفادت من تجربة المملكة بعد أن نقلتها إليها في برامج مشابهة.
وأشاد رئيس المحكمة العليا البريطانية السير كرستوفر بيتشر ببرنامج المناصحة الذي تقدمه وزارة الداخلية في المملكة لأرباب الفكر الضال، وقال: “البرنامج جيد جداً ونتائجه إيجابية ونعتقد أننا يمكن أن نستفيد منه بشكل كبير ولكن للأسف لا يوجد لدينا العدد الكافي من الأئمة المتخصصين في الشرعية الذين يمكن أن يتحاوروا مع أصحاب الفكر الضال، ولكننا أجرينا بعض التعديلات فقمنا بوضع أئمة في السجون التي يوجد فيها سجناء لديهم أفكار ضالة وهؤلاء الأئمة يقومون بعملية مماثلة، وهذه الجزئية بالذات ربما نحتاج لمساعدة المملكة في هذا الخصوص”.
تجربة أمريكية للبرنامج
وقد طبقت القوات الأمريكية في العراق برنامج المناصحة المعمول به في المملكة على المعتقلين العرب في السجون التابعة لها في بغداد والبصرة.
وقال سعدي عثمان، مستشار قائد القوات الأمريكية في العراق: “برنامج المناصحة الذي طبقته الداخلية السعودية على المعتقلين مفيد جداً في إعادة هؤلاء الشباب إلى مجتمعاتهم بشكل طبيعي”.
ووصفت وكالة الأنباء الفرنسية مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة بأنه المركز الذي كانت المملكة أنشأته لتوها من أجل مساعدة أصحاب الفكر الضال على الانخراط مجدداً في المجتمع.
وأثنت خلال تقرير بثته عبر لقاء مع أحد العائدين من معتقل غوانتانامو عبدالعزيز البداح، على برنامج المناصحة الذي تقدمه السعودية.
وكذلك أشاد وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس بالبرنامج وقال: “أعتقد أن العمل الذي يقومون به في مستوى أفضل من أي برنامج آخر، والبرنامج مناسب لأولئك الذين تربطهم علاقات أسرية في السعودية”.
دعوة لحملة الحج
ودعا المركز المستفيدين ومطلقي السراح إلى المسارعة في التسجيل للحج وفقاً لعدة اشتراطات، مؤكداً أن الأولوية تكون لمن لم يسبق له الحج مطلقاً والمتقدمين أولاً بحسب تاريخ التقديم، وبشرط أن يكون المتقدم بطلب الحج لم يسبق له الحج خلال خمسة أعوام، كما يحق لكل متقدم أن يرافقه اثنان من أسرته كحد أقصى من الفروع والأصول “الأب- الأم-الأخ- الأخت- الزوجة- الأبناء”.