بعد أن تصدر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبان الجولة الأولى من الانتخابات العامة المفاجئة في فرنسا، دعت أحزاب اليسار والوسط إلى تشكيل “جبهة جمهورية”، ضد حزب اليمين المتطرف، وحثت الناخبين على إقامة حاجز أمام تقدمه، ومصطلح “الجبهة الجمهورية” والممارسة المرتبطة بها، موجود في السياسة الفرنسية منذ عقود، ولكن ما هي “الجبهة الجمهورية”، ومتى تم استخدامها؟ وما مدى فعاليتها؟
تصف “الجبهة الجمهورية” في السياسة الفرنسية، الجهد المشترك الذي تبذله عدة أحزاب سياسية رئيسية وناخبيها لتقليل فرص اليمين المتطرف في الفوز بالانتخابات، وفي الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، وفي الانتخابات الأخرى عندما يصل مرشحان فقط إلى جولة الإعادة، تطلب الأحزاب التي لم تنجح من ناخبيها دعم المرشح الرئيسي، وعندما يكون اليمين المتطرف في موقع جيد في جولة الإعادة التي يتأهل لها ثلاثة مرشحين، والتي يمكن أن تحدث في جميع الانتخابات باستثناء الانتخابات الرئاسية، تكون “الجبهة الجمهورية” أكثر واقعية: حيث يمكن للمرشحين الذين يحتلون المركز الثالث الاتفاق على الانسحاب حتى لا ينقسم التصويت المناهض لحزب التجمع الوطني، ويمكن أن تكون هذه الاتفاقات محلية أو وطنية.
وسميت الجبهة بالجمهورية؛ لأن حزب التجمع الوطني يعتبر معاديا للجمهورية، على أساس أن خططه، التي تعطي الأولوية للفرنسيين في الوظائف والمزايا، وبعض مقترحاته المعادية للهجرة، تتعارض مع المبادئ الدستورية للمساواة، وفقاً لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
النشأة التاريخية
ويعود معظم المؤرخين بنشأة الجبهة إلى عام 1955، خلال الجمهورية الرابعة، عندما شكلت أربعة أحزاب من الوسط اليسار والوسط اليمين ميثاقًا انتخابيًا لهزيمة حزب الاتحاد للدفاع عن أصحاب المحلات والحرفيين بقيادة بيير بوجاد، وهو حزب شعبوي ومعاد للضرائب والتحديث والبرلمان، وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو جان جاك سيرفان شرايبر، وهو صحفي في مجلة “ليكسبريس”، ثم استخدمته صحيفة “لوموند”، وحقيقة طريفة: كان أحد الأعضاء المؤثرين في حزب الاتحاد للدفاع عن أصحاب المحلات والحرفيين المهزوم هو جان ماري لوبان، والد مارين لوبان.
واستخدم مصطلح “الجبهة الجمهورية” والحاجز بأشكال مختلفة في الانتخابات البلدية والإدارية والإقليمية والبرلمانية والرئاسية منذ ثمانينيات القرن الماضي، حيث بدأ نصيب حزب التجمع الوطني، الذي كان يُعرف آنذاك باسم الجبهة الوطنية في الارتفاع.
ويعتبر الكثيرون أن ذروة “الجبهة الجمهورية” كانت في الانتخابات الرئاسية لعام 2002، عندما حدث زلزال سياسي بوصول جان ماري لوبان، زعيم الجبهة الوطنية، إلى الجولة الثانية على حساب رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان، ودعت جميع الأحزاب في الجمعية الوطنية ناخبيها إلى دعم مرشح حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، اليميني الوسطي جاك شيراك، الذي فاز بفترة ولاية ثانية في قصر الإليزيه بنسبة 82% من الأصوات.
استمرار الانقسام
وأدى فوز حزب التجمع الوطني بنسبة 33% في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية المفاجئة إلى دعوات فورية لتشكيل جبهة جمهورية للجولة الثانية، اليوم (الأحد)، وقد انسحب 221 مرشحًا، من بينهم 83 من معسكر “ماكرون” و132 من التحالف اليساري الأخضر، من جولات الإعادة الثلاثية المحتملة، ومع ذلك، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى أن هذا قلل بشكل كبير من فرص حزب التجمع الوطني في الحصول على أغلبية مطلقة في الجمعية الوطنية، إلا أن الجبهة لا تزال منقسمة.
وبالمقارنة مع عام 2022، كان “ميلينشون” واضحًا قائلاً: “ينبغي لناخبي التحالف اليساري التصويت للمرشح غير المنتمي لحزب التجمع الوطني في الجولة الثانية”، ومع ذلك، قال حلفاء “ماكرون”، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق إدوارد فيليب: “إن ناخبي معسكرهم لا ينبغي أن يدعموا مرشح التحالف اليساري من حزب فرنسا الأبية التابع لميلينشون”، ورفض حزب الجمهوريين اليميني الوسطي تقديم أي توصية، قائلاً: “إن اليسار الراديكالي هو الخطر الحقيقي”.
وسيُطلب من الناخبين – وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى اليسار، والذين صوتوا مرتين لـ”ماكرون” ومرشحين وسطيين لمنع اليمين المتطرف – مرة أخرى أن يغضوا الطرف وأن يصوتوا لمرشحين لا يؤيدون سياساتهم، في حين يجب على الوسطيين التصويت لتحالف اليسار الأخضر.