حذّر الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى، من أبعاد ومخاطر الذكاء الاصطناعي، مشددًا على أن مِن أسوا السيناريوهات التي يمكن أن يتسبّب بها ليس فقط “حدوث كارثة نووية أو حتى القضاء على ملايين الوظائف، بل يمكن للذكاء الاصطناعي أيضًا التلاعب بالأيديولوجيات والمعتقدات التي تربط المليارات وتؤثر عليهم”.
وحذّر “العيسى” في مقال له على مجلة “نيوزويك” الأمريكية، نشرته 31 يوليو 2023م، قادة الأديان والعاملين على تعميق التعايش بين الشعوب؛ من قدرات الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا أنه قادر على “استخدام التعرف على الوجه، أو إنشاء تزوير عميق، أو حتى صياغة خطب دينية يمكن أن تشعل عصرًا جديدًا من الدين يتم استغلاله بواسطة أجندات خبيثة؛ مما يؤدي إلى زيادة الاضطهاد والعنف”، وأن ذلك سيساعد المتطرفين على التلاعب ودعم التطرف؛ مما يمكن أن يصبح أداة للانقسام.
واعتبر “العيسى” الذي وصفته المجلة بأنه “من أبرز الشخصيات الدينية الإسلامية في العالم وأكثرها احترامًا”؛ أنه في الوقت الذي دعا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في وقت سابق الدول إلى حظر الأسلحة الفتاكة المستقلة بحلول عام 2026؛ فإن هناك قوى “خرقاء” عملت على تسليح الدين والتكنولوجيا لإحداث تأثير مدمر، وواصفًا تجربته الطويلة في العمل من خلال رابطة العالم الإسلامي على التصدي لذلك ومعالجة التأثير السام له، وخصوصًا ضد جهات متطرفة مثل تنظيم داعش الذي كان وما زال يقوم بتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج التوترات الدينية وإطلاق أكبر حملة تجنيد إرهابي في العالم.
وشدّد “العيسى” على أنه ليس من الصعب رؤية “كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغيّر قواعد اللعبة بالنسبة لمثل هؤلاء الممثلين الخبثاء على المسرح العالمي. لا يمكن فقط أن يمنحهم القدرة على التلاعب وتسليح القيم التي يعتزّ بها المليارات في جميع أنحاء العالم، ولكن أيضًا القدرة على القيام بذلك دون الكشف عن هويتهم؛ ممّا يضمن إبقاء العالم غير قادر على إدراك من يتحكّم حقًّا في ذلك”.
وحول أبرز تلك الاستخدامات التي ممكن يساء استخدامها، أشار “العيسى” إلى أنه في الواقع يمكن استخدام تطوير الذكاء الاصطناعي غير المقيد لنشر المعلومات المضللة، وتجنيد أعضاء إرهابيين جدد، وفي النهاية إلهام هجمات إرهابية جديدة بطريقة غير مسبوقة، مستشهدًا بمقولة الأمين العام للمنظمة الأممية بأن “الاستخدام الخبيث لأنظمة الذكاء الاصطناعي لأغراض إرهابية أو إجرامية أو أغراض حكومية؛ يمكن أن يتسبّب في مستويات مروعة من الموت والدمار، وصدمات واسعة النطاق، وأضرار نفسية عميقة على نطاق لا يمكن تصوره”.
وأشار العيسى إلى أن تلك المخاوف تأتي في ظلّ عدم قيام أغلب صنّاع السياسة من التعامل مع تلك التهديدات بشكل قوي، ومن ذلك قوانين مكافحة الإرهاب البريطانية غير قادرة على مكافحة تهديد الذكاء الاصطناعي. وبينما حصلت إدارة بايدن على التزامات من قادة صناعة الذكاء الاصطناعي للتخفيف من مخاطر الذكاء الاصطناعي، ومشيرًا إلى أنه لم يكن أي من “الالتزامات الطوعية” يتعلّق بالتهديد الإرهابي للذكاء الاصطناعي، مثل التزييف العميق الذي يمكن استخدامه لتأجيج التوتر الديني والعنف.
ووصولًا لطرح الحلول، طرح العيسى بعض السبل التي يرى أنه يمكن القيام بها؛ ومنها أهمية ما تشكله الأطر التنظيمية والمسؤولة من كونها جزءًا مهمًّا من مواجهة هذا التهديد، وكذلك ضرورة مشاركة كبار القادة الدينيين؛ ليس فقط لأن القادة الدينيين يفهمون كيف يمكن للجهات الشائنة استخدام الذكاء الاصطناعي لوسائلها الضارّة، ولكن أيضًا لأنهم يتمتّعون بنفوذ كبير بين أولئك المعرضين للاستغلال والتجنيد، ومطالبًا بأن يكون لهم حضور في كافة المحافل القادمة لمناقشة إشكاليات الذكاء الاصطناعي.
وخلص أمين رابطة العالم الإسلامي إلى أهمية أن يكون للذكاء الاصطناعي أيضًا أداة تغيير قواعد اللعبة إيجابية للغاية بالنسبة للممارسة الدينية، “بل يمكن استخدامها كأداة لمكافحة التطرف ومنعه، ومشيرًا إلى أنه في النهاية “لا يمكن لعمالقة التكنولوجيا وصانعي السياسات والسياسيين أن يكونوا وحدهم من يملي مخاطر ومكافآت الذكاء الاصطناعي، وأن تجاهل مشاركة الزعماء الدينيّين في نقاش الذكاء الاصطناعي قد يكون ثمنه باهظًا حقًّا”.
يذكر أن مجلة “نيوزويك” هي مجلة أمريكية شهيرة مطبوعة، تصدر بشكل أسبوعي، وتأسّست في 17 فبراير 1933 من طرف توماس مارتن، الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير مجلة تايم الأمريكية آنذاك، تتناول المجلة مواضيع السياسة والشؤون العالمية والتجارة والعلوم والتكنولوجيا والثقافة والفن.