سجّلت منظومة الحج والعمرة خلال مسيرة وطنية دامت لأكثر من 92 عامًا إنجازات ونقلات نوعية متعددة أسهمت في تسهيل إجراءات قدوم الحجاج والمعتمرين، ورفع جودة الخدمات، وإثراء التجربة الدينية والثقافية لضيوف الرحمن، وذلك بدعم متواصل من القيادة الرشيدة – أيدها الله-.
وبدأت مسيرة الجهود السعودية لخدمة الحجاج والمعتمرين منذ تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المغفور له – بإذن الله تعالى- المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والذي حرص على توفير سُبل الطمأنينة والتيسير للحجاج والزوار، ليأمر في العام 1344هـ بإضافة شؤون العناية بالحج والحجاج لمجلس الشورى.
واستمرت المملكة بعزمٍ وحزم على أساس التوحيد في تسخير كافة الإمكانيات المادية والبشرية لخدمة ضيوف الرحمن، وفي العام 1355هـ بدأ تنظيم أعمال المطوفين وتحديد مهامهم ومسؤولياتهم، حتى جاء الأمر الملكي بإنشاء المديرية العامة للحج وإقرار النظام الموحد لوكلاء المطوفين والمشايخ، وإضافة شؤون العناية بالحج في العام 1367هـ.
وتعاقبت التطورات في المنظومة بقيادة المؤسس وأبنائه الملوك من بعده (سعود، وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله) -رحمهم الله جميعًا-، لتصبح في العام 1372هـ “المديرية العامة للحج وتنظيمها”، ككيان مستقل، حتى إنشاء وزارة الحج والأوقاف عام 1381هـ.
وفي العام 1399هـ، جاءت الموافقة على إنشاء مؤسسات الطوافة الأهلية، ثم فصل وزارة الحج عن الأوقاف لتتولى خدمة الحجاج وتنظيم شؤون الحج، ليتم بعدها تعديل اسم الوزارة في العام 1437هـ ليصبح وزارة الحج والعمرة.
وشهدت منظومة الحج والعمرة نجاحات كبرى عامًا تلو آخر، ضمن تشاركية فاعلة بين كافة الجهات الأمنية والصحية واللوجستية، كأحد أهم الإنجازات التي تفخر الدولة بتحقيقها، بفضل من الله عز وجل، وبما سخرته حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهما الله-، من إمكانيات مادية وبشرية لخدمة ضيوف الرحمن وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين للقدوم لأداء فريضة الحج ومناسك العمرة والزيارة، ولهذا الهدف دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- برنامج خدمة ضيوف الرحمن كأحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، بهدف رفع مستوى الخدمات المقدمة لهم، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية.
وتفصيليًا، تطورت منظومة الحج والعمرة خلال الأعوام القليلة الماضية تطورات عدة وهامة، نظرًا لما يُمثله قطاع الحج والعمرة من أولوية قصوى لدى خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – يحفظهما الله-، ضمن إطار رؤية المملكة 2030، مما ساعد في إطلاق العديد من المبادرات لتنظيم القطاع والارتقاء بجودة الخدمات فيه، كان آخرها إتاحة التأشيرات الإلكترونية للحجاج والمعتمرين من جميع الدول، وتمديد فترة موسم العمرة، وإطلاق مشروع حافلات مكة وتطوير المواقع التاريخية الإسلامية، تسهيل قدوم المعتمرين من خارج المملكة عبر عدد من التأشيرات، مثل: التأشيرة السياحية عند القدوم إلى منافذ المملكة، والتأشيرة السياحية الإلكترونية، وتأشيرات الزيارة، وغيرها من الأنواع.
وأسهمت مبادرات الوزارة الإلكترونية، مثل: تطبيق “اعتمرنا” لحجز مواعيد أداء المناسك والصلاة بالروضة الشريفة، في رفع جودة الخدمات وتسهيلها، بالإضافة إلى “بطاقات الحج الذكية”، ومبادرة حج بلا حقيبة إضافة إلى العديد من الإنجازات التقنية مثل إطلاق عدة مبادرات منها “إياب”، و”الحج الذكي”، لإثراء التجربة الدينية وزيادة تفرغ الحجاج للعبادة والدعاء، وكذلك “مبادرة طريق مكة” بالشراكة مع عدة جهات لتسهيل إجراءات دخول ضيوف الرحمن عبر المنافذ دون انتظار، وإتاحة الحجز الإلكتروني المباشر للخدمات ضمن منصات رقمية مرتبطة بمزودي الخدمات من داخل وخارج المملكة، وإصدار التأشيرات اللازمة فوريًا بالربط مع الجهات الحكومية لتسهيل القدوم إلى المملكة ضمن وسائل الدفع والمسارات الإلكترونية الميسرة.
وأسهمت الرعاية والدعم المتواصلين من القيادة – أيدها الله- في إيجاد العديد من الخدمات، منها: مراكز الارشاد في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر والتي تتجاوز 15 مركزًا، ومراكز “عناية” لخدمة حجاج بيت الله حول الحرم وفي عدد من المواقع التي تشهد كثافة لحركة الحجاج، علاوة على مبادرة الضيف الخفي للتأكد من جودة الخدمات المقدمة للحجاج، والجولات الرقابية المستمرة والتي تجاوز عدد 12 ألف جولة خلال الموسم الماضي، وإيجاد التأمين الصحي الشامل لتوفير تغطية شاملة في حال التعرض (للأمراض والحوادث العرضية ومخاطر السفر).
وفيما يتعلق بإدارة وتنظيم الحشود في الحج، سجلت المملكة إنجازًا عالميًا من خلال تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتنظيم حركة الحجاج بدقة عالية، وتسهيل جدولة حركة الحافلات التي يتجاوز عددها لأكثر من 14 ألف حافلة مجهزة بكافة معايير السلامة، وقطار الحرمين السريع الذي يقدم أكثر من 50 رحلة يوميًا بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقطار المشاعر الذي شهد جدولة نقل أكثر من 205 آلاف حاج، وتنظيم الحشود وإدارة تفويج وفود الحجاج بين المشاعر المقدسة وفق جداول زمنية مدروسة بحسب الطاقة الاستيعابية بما يضمن انسيابية الحركة عند أداء المناسك من طواف وسعي ورمي الجمرات وغيرها، من خلال متابعتهم بشكل دقيق من خلال غرف المتابعة والتحكم.
وعلى مستوى البنية التحتية، سطرت الوزارة قصة نجاح من خلال التطوير المستمر في المشاعر المقدسة وفي الحرمين الشريفين لتعزيز جودة الخدمات وزيادة الطاقة الاستيعابية باستحداث المشاريع النوعية الجديدة تماشيًا مع مستهدفات برامج رؤية المملكة 2030، وذلك بالشراكة مع كافة شركاء النجاح من الجهات الحكومية والقطاعات الأخرى دون توقف.
وبالرغم من الظروف الاستثنائية خلال فترة جائحة فيروس كورونا إلا أن جهود المنظومة لم تتوقف للمساهمة في إنجاح إقامة شعيرة الحج وخدمة الحجاج والمعتمرين، وأقيمت الشعرة بأعداد قليلة وسط إجراءات صحية واحترازية مشددة، كما قدمت المملكة حزمة من التسهيلات والإعفاءات للقطاع لتسهيل خدمة ضيوف بيت الله الحرام على النحو المطلوب.
وتأتي ذكرى اليوم الوطني الـ92 تأكيدًا لما تحقق من سلسلة الإنجازات، والرؤى الصائبة، والخطط المدروسة لتحقيق نهضة شامل في كافة المجالات والقطاعات محليًا واقليميًا ودوليًا، متجاوزين كل التحديات والأزمات التي يمر بها العالم لتحقيق أعلى معايير الجودة في سبل تسهيل إجراءات وصول الحجاج والمعتمرين من شتى بقاع الأرض، وإثراء تجربتهم الدينية والثقافية، ضمن شراكة ناضجة بين كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وبسواعد أبناء هذا الوطن المعطاء والمقيمين على أرضه، تحقيقًا لمستهدفات برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030.