“المكينزي”: فضائيات ابتعدت عن دورها المهني إلى التحريض وتبني أفكار حزبية
“جبريل”: الأحداث فاجأت العالم الغربي فأعطته الفرصة للتدخل لاحتوائها
“الخطيب”: لعبة الإعلام تحكمت في مفاصل الحياة وأثّرت على الشعوب سلباً وإيجاباً
كانت الشرارة الأولى التي أطلقها “الشاب التونسي” محمد بوعزيزي” بحرق نفسه، نقلة نوعية في عالم وسائل الإعلام العربي والعالمي،الذي تعامل معه بتعاطف شديد، كشاب يبحث عن لقمة للعيش، فانحرفت التغطية عن مسارها من منحى إنساني إلى سياسي بعد خروج عدد من التونسيين مطالبين بإسقاط النظام، ولم يكن بحسبان تلك الفضائيات امتداد فتيل “ما يسمى بالربيع العربي” إلى بقية الدول المجاورة كون الظاهرة كانت مفاجئة لحكام أوروبا وأمريكا، حيث أشار الباحث محمد جبريل أنه أثناء سقوط تونس كانت الظاهرة مفاجئة للعالم الغربي والعربي، وغير منظمة ما سمح بالفرصة للتدخل لاحتوائها إعلاميًا وسياسياً.
فيما أشار الكاتب والصحفي عبدالرحمن الخطيب في صحيفة “الحياة” إلى التأثير المتبادل والدور المزدوج الذي لعبه الإعلام في مفاصل الحياة جميعها قائلاً: “إن الربيع العربي والإعلام لهما تأثير متبادل، فكلاهما يحتاج الآخر، ويمكن تسمية هذا العقد بعقد الإعلام نتيجة العمل الإعلامي المتضافر من مختلف وسائط ووسائل الإعلام”.
كما أثبتت العديد من الدراسات لمراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية “تأثير تلك الفضائيات على المواطن العربي ما دفع عدد من الحكومات والشركات العمالقة إلى تأسيس قنوات مختصة بالعالم العربي تبث باللغة العربية موجهة من خلال أخبارها عدداً من الرسائل، ومن تلك الفضيات على سبيل المثال لا الحصر “الروسية وبي بي سي ومحطتان أمريكيتان ومحطة فرنسية”.
الخطاب الإعلامي العربي
اعتبر عدد من الأدباء والمفكرين العرب أن مصطلح الربيع العربي هو بداية الخطاب الإعلامي الموجه للجماهير، الذي عمل على استنفار واستفزاز الطاقات البشرية وتطويعها من خلال التقنيات البصرية الحديثة لمتابعة وترقب الأحداث العربية، حيث قال دكتور الإعلام في جامعة الملك سعود عادل المكينزي لـ”سبق”: أثبتت الدراسات العلمية أن التأثير على السلوك الإنساني معقد ويتعلق بعوامل متعددة تساعد على أن يتحرك السلوك باتجاه معين، وأن ما أحدثته الفضائيات العربية من تأثير كان مصحوباً باستعداد ملحوظ وكبير من المتلقي العربي للاقتناع بكل ما يقال عبر تلك الوسائل نتيجة لحالة اجتماعية معينة، منها عدم الرضاء والتذمر، لتلعب تلك الوسائل دوراً مساعداً في وسائل الاستقرار السياسي والتغير، مع اختفاء وغياب الدور الحقيقي وعدم التزامها بالمهنية الإعلامية، من مصداقية وموضوعية في نقل الحقائق.
وتابع: تعطّش الناس في مواكبة ما يحدث حيث حولت الفضائيات دورها من ناقل للخبر والحدث إلى صانع ومنشئ له وفق توجهات وولاءات معينة، ومحاولة ترويجها لتلك الأنواع من الأخبار والشائعات التي صنعت حالة من الاختلال في المهنية، وأصبحت الفضائيات محرضاً وابتعدت عن دورها، لتتبنى فكرة حزب أو جماعة ما، وتقوم ببث وتغذية أفكارها للشعوب.
واستطرد “المكينزي”: استطاع كثيرون من صناع الخطاب الإعلامي العربي تقديمه بطريقة مثيرة من خلال عدد من الجوانب، لعبت خلالها التقنية الحديثة من النقل المباشر وغيرها من الأمور على استقطاب هذه الفئة التي عملت الفضائيات العربية على تنشيط المكنون الداخلي المتواجد أصلاً لديهم، لنجد في النهاية أن هناك فئة من جمهور الوسط وهي التي تبحث عن المعلومة دون تلوين يذكر، وأردف المكينزي في نهاية حديثه: نحن اليوم بحاجة إلى إعلام ناضج يحترم المتلقي، وفلسفة احترام المتلقي تجعل من الصحفي لا يتدخل في التغيير في معلومة أو التعظيم من جانب، ولكن للأسف أن التجربة العربية في الجانب الإعلامي لم تنضج بالدرجة الكافية، لتجد بعض إعلاميي فضائيات الربيع العربي قد خلع عباءته الإعلامية ولعب دور الشرطي .
الخطاب الإعلامي الديني
واختلفت الرؤى والآراء ووجهات النظر الفضائيات العربية حول تأثير الخطاب الديني والسياسي، وتوجيهه لمصلحة فئات وطبقات اجتماعية معنية، منهم من رأى أن الخطاب الديني أو السياسي هو من ساعد وأسهم في إطاحة بعض القادة والأنظمة، ولم يكن الفساد بمجملة هو السبب الوحيد لإسقاط الحكام، وعلل أصحاب تلك النظرية بما حدث في مصر وانتظار الشباب المتواجد في ميدان التحرير لهذا النوع من الخطاب ليأتي إفتاء أحد مشاهير الشيوخ والدعاة بالعالم الإسلامي، في أحد الفضائيات أن الخروج على الرئيس المصري “حسني مبارك ” فرض عين” لتعتبرها عدد من الوسائل الإعلامية نوعاً من المباركة المبطنة للثورة ، ويرى آخرون أن الخطاب الديني السياسي لم يظهر في البداية وخير مثال على ذلك ثورة “البوعزيزي”، بل على العكس تفاجأ الخطاب الديني من كل ما شهده الربيع العربي من انطلاقة غير متوقعة مبررين ذلك في فشل تجربة الإخوان والخطاب السياسي الإعلامي وفشل القنوات الإعلامية التي سعت بشتى الوسائل في الدفاع والمحافظة على مثل هذا النوع من الخطاب .
استحواذ العسكر على الحكم
فيما أشار الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم : إلى فشل الخطاب الديني الإعلامي السياسي عبر الفضائيات العربية في الحضور والتأثير على الشعوب مثل تأثير باقي الفضائيات كالجزيرة والعربية، وكان لهذا الخطاب حضور جيد في المسألة السورية ولكنه للأسف لم يصل لتأثير الفضائيات العربية العملاقة، وظهر هذا التباين الواضح في عمل تلك الفضائيات ذات الخطاب الديني أثناء استحواذ العسكر على الحكم من جماعة الإخوان المسلمين في مصر ليبقى تأثير قناة الجزيرة على الشعوب وتوجه قناة العربية للنخب، حيث قام النظام العسكري في مصر بإغلاق تلك الفضائيات ذات الخطاب الإعلامي الديني.
إعلام الشارع والنخبة
وتابع الإعلامي الدكتور عبدالعزيز قاسم حديثه ” مبيناً أن تأثير الإعلام العربي في المواطن العربي تأثير كبير، حيث استطاعت عدد من الفضائيات العربية صياغة وتجييش مشاعر المواطن العربي، وخصوصاً قناة الجزيرة التي انحازت في البدايات إلى الشارع العربي ما ميزها عن بقية وسائل الإعلام الأخرى التي توجهت إلى النخبة في خطابها الإعلامي، لتخترق قناة الجزيرة الشارع العربي عبر حمل همومه ونصرة قضايا هذا الشارع ودغدغة عواطفه، وتجلى ذلك واضحاً ورأيناه أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة وأحداث الربيع العربي لتصبح القناة الأولى للمشاهد العربي البسيط.
من السلطة الرابعة للهيمنة
وأضاف “القاسم”: بات الإعلام اليوم ليس سلطة رابعة كما يسمى بل تجاوز هذا الأمر في تحديد ورسم ملامح الخريطة السياسية، حيث استطاع إسقاط أنظمة، بل تجاوز ذلك في بداية الثورات، ففي أحداث تونس ومصر، كانت الفضائيتان المتنافستان سواء “الجزيرة” و”العربية”، حيث انحازت العربية إلى النخب والأنظمة الحاكمة، والجزيرة إلى الشارع العربي واستطاعت التأثير فيه بشكل كبير، أما في أحداث ليبيا اتحدت القناتان، وساهمت بشكل كبير أيضا في إسقاط القذافي ورأينا هذا الاتحاد تكرر في القضية السورية، وكذلك أحداث اليمن.