تَتَمَيَّزُ العلاقاتُ بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية بالعمق التاريخي والتعاون الإستراتيجي والتنسيق المستمر تجاه المسائل والقضايا التي تهمُّ البلدين على الساحتين الإقليمية والدولية؛ لدعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم،نظرًا للمكانة العالية والموقع الجغرافي الذي يتمتع به البلدان، مما عزَّزَ من ثقلهما على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية.
وبُنِيَت العلاقات السعودية المصرية على أسس صلبة منذ أول لقاء تاريخي جمع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، بالملك فاروق ملك مصر – رحمهما الله – عام 1364هـ الموافق 1945م ليكون حجر الأساس لعلاقة قوية وإستراتيجية، تزدادُ متانةً وصلابةً عامًا بعد عامٍ ،وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية؛ لترتسمَ معالمُ المستقبلِ المشرقِ بين البلدين.
وفي عام 1945م وافقَ الملكُ عبدُالعزيزِ بنُ عبدالرحمن – رحمه الله – على “بروتوكول الإسكندرية”، وأعلنَ انضمامَ المملكة العربية السعودية للجامعة العربية، وفي 27 أكتوبر عام 1955م وُقِّعَت اتفاقيةُ دفاعٍ مشتركٍ بين البلدين، وقد رأسَ وفدَ المملكة في توقيعها بالقاهرة الملكُ فيصلُ بنُ عبدِالعزيز رحمه الله.
وفي أثناء العدوان الثُّلاثي على مصر عام 1956م وقفت المملكة بكل ثقلها إلى جانب مصر في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وتشهدُ العلاقاتُ بين البلدين العديدَ من الزيارات العسكرية المتبادلة بين القادة والمسؤولين العسكريين وبشكل دوري؛ لتبادل الآراء والخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي تهم البلدين.
وفي 16 /3 / 1987 م زارَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكُ سلمانُ بنُ عبدِ العزيز آل سعود – حفظه الله – حينما كان أميراً لمنطقة الرياض آنذاك جمهوريةَ مصر العربية؛لافتتاح معرض المملكة بين الأمس واليوم في القاهرة.
واستقبلَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكُ سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – في مارس 2022 بقصر اليمامة بالرياض، فخامةَ الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيسَ جمهورية مصر العربية، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، حيث جرى استعرض العلاقات التاريخية الراسخة، وسبل تطويرها وتنميتها في المجالات كافة؛ بما يحقق مصالح البلدين والشعبين الشقيقين،وتأكيد وحدة الموقف تجاه القضايا والتطورات الإقليمية والدولية.
وقد ارتقتِ العلاقاتُ الثنائيةُ بين المملكة ومصر، بدعم وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، وأخيهما فخامة رئيس جمهورية مصر العربية السيد عبدالفتاح السيسي، إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية من خلال تأسيس مجلس التنسيق السعودي المصري، وإبرام حكومتي البلدين نحو 70 اتفاقيةً و”بروتوكول” ومذكرةَ تفاهمٍ بين مؤسساتها الحكومية.
وتتمتعُ المملكةُ ومصرُ بثقل وقوة وتأثير على الأصعدة العربية والإسلامية والدولية،مما يعزِّزُ من مستوى وحرص البلدين على التنسيق والتشاور السياسي المستمر بينهما؛لبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية في مواجهة التحديات المشتركة، وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، والأمن والسِّلم الدوْلِيَين.
وتعدُّ مصرُ من أوائل الدول التي استقبلت الطلبةَ السعوديين المبتعثين إلى الخارج، إذ أمر الملك عبدالعزيز – رحمه الله – في العام 1927 بإيفاد أول دفعة دراسية إلى مصر، وضَمَّتْ تلكَ الدفعةُ 14 دارساً، وتُقَدِّرُ إحصاءاتُ وزارةِ التعليمِ عددَ الطلبةِ السعوديين في مصر حالياً بـ2220 طالباً،يتلقون تعليمَهم في مختلف التخصصات بالجامعات والكليات والمعاهد المصرية.
وفي عام 2020م تأسَّسَتْ جامعةُ الملكِ سلمانَ الدوليةُ، وهي تعدُّ إحدى مخرجات برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ لتنمية شبه جزيرة سيناء، وتضمُّ هذه الجامعة 16 كليةً و56 برنامجاً في 3 فروع ذكية بمدن الطور، ورأس سدر، وشرم الشيخ، وتوصف بأنها واحدةٌ من جامعات الجيل الرابع الذكية، وتهدفُ إلى تقديم تجربة جامعية فريدة من نوعها يمتزج فيها التعلم باستخدام أحدث التقنيات، والخبرة التطبيقية، والمعارف النظرية، وخدمة المجتمع، وتنمية البيئة.
وفي الشأن الاقتصادي, ترتبطُ المملكةُ ومصر بعلاقاتٍ تجاريةٍ متناميةٍ، إذ بلغَ حجمُ التبادلِ التجاري بين البلدين خلال السنوات الست الماضية (2016 – 2021م) 179 مليار ريال (47.7 مليار دولار)، وتنامى حجمُ الصادرات السعودية غير النفطية إلى مصر بنسبة 6.9% خلال العام 2021م مسجلاً 7.2 مليارات ريال (1.9 مليار دولار).
وتتمتعُ مصرُ بموقعٍ جغرافي إستراتيجي، وقوةٍ عاملةٍ منخفضةِ التكاليف، ويبلغُ عددُ سُكَّانِها (102.33 مليون نسمة في العام 2020م)، ما يجعلها سوقاً إستراتيجياً في المنطقة، كما أنَّ لديها إمكاناتٍ سياحيةً عاليةً، جعلتها سوقاً جاذبةً للاستثمارات في مجالات السياحة، والكهرباء والطاقةِ المُتَجَدِّدَةِ، والبناء والعقارات.
ويحرصُ القطاعُ الخاصُّ السعودي والمصري على الاستثمار في أسواق البلدين لما تتميِّزُ به من مقوماتٍ وفرصٍ، إذْ توجدُ 6285 شركةً سعوديةً في مصر باستثمارات تفوق 30 مليار دولار، كما يوجدُ في المقابل 274 علامةً تجاريةً مصريةً، وأكثرُ من 574 شركةً مصريةً في الأسواق السعودية.
وتدعمُ الاستثماراتُ المباشرةُ للقطاع الخاص السعودي في مصر جهودَ الحكومة المصرية في تنويعِ القاعدة الاقتصادية، وخفضِ البطالة، وكذلك تحسين ميزان المدفوعات، كونها مصدراً مهماً للعملة الصعبة، ما يستدعي العمل على حلِّ التحديات التي تعوقُ وتعطِّلُ استثماراتِهم، وسرعة حلِّ القضايا العالقة في القضاء المصري، وتحفيزهم لزيادة تلك الاستثمارات.
وفي المقابل زادَتِ الاستثماراتُ السعوديةُ في السوق المصرية، ووَجَدَ 1035 شركةً مصريةً فرصاً واعدةً للاستثمار في السوق السعودية، وتبلغُ قيمةُ رأس مال الشركات التي يملكُها أو يشاركُ في ملكيتها مستثمرون مصريون في المملكة 4.4 مليارات ريالٍ، يتركَّزُ أغلبُها في قطاعات الصناعات التحويلية، والتشييد.
ومن المتوقع أن يحقَّقَ مشروعُ الربط الكهربائي السعودي المصري عند تشغيله عدداً من الفوائد المشتركة للبلدين، منها تعزيزُ موثوقية الشبكات الكهربائية الوطنية ودعمُ استقرارها، والاستفادةُ المثلى من قدرات التوليد المتاحة فيها،وتمكينُ البلدين من تحقيق مستهدفاتهما الطموحة لدخول مصادر الطاقة المتجدِّدَة ضمن المزيج الأمثل لإنتاج الكهرباء، وتفعيل التبادل التجاري للطاقة الكهربائية.
وتعدُّ المملكةُ من الدول الرئيسة التي دعمت الاحتياطياتِ الأجنبية لعدد من الدول خلال جائحة كوفيد – 19، ومن بينها جمهورية مصر العربية، إذ قدَّمَت مؤخرًا وديعة بقيمة 3 مليارات دولار للبنك المركزي المصري،إضافة إلى تمديد الودائع السابقة بمبلغ 2.3 مليار دولار.
وتسهمُ المملكةُ في تعزيز جهود مصر التنموية من خلال الدعم الذي تقدمه عبر الصندوق السعودي للتنمية،حيث بلغَت قيمةُ إسهامات الصندوق 8846.61 مليون ريالٍ لـ 32 مشروعاً في قطاعات حيوية لتطويرها وتمويلها، شملت إنشاءَ طرق، وتوسعة محطات الكهرباء، وتحلية ومعالجة المياه، وإنشاء مستشفيات وتجمعات سكنية في مصر.
كما تعدُّ جمهوريةُ مصر العربية من الدول الرائدة عربياً في المجال الثقافي، وتسعى وزارةُ الثقافةِ السعوديةِ إلى تفعيل التعاون الثقافي والفني مع الجانب المصري، حيث تعاون البلدان معًا في تسجيل ملف الخط العربي لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، وسجل خلال شهر ديسمبر 2021م.
وتتطلَّعُ المملكةُ إلى توطيد التعاون والشراكة مع الجانب المصري في العديد من المشروعات الحيوية في مجالات الاتصالات وتقنية المعلومات، من خلال بناء القدرات البشرية والرقمية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال، والذكاء الاصطناعي، وكذلك التعاون في مجال التوعية الرقمية والتحوُّل الرقمي، إلى جانب التعاون في مجال الكابلات البحرية للاتصالات.
وقد أسهمَ الصندوقُ الصناعيُّ في دعمِ وتمويلِ 17 مشروعًا مشتركًا مع مصر، بقيمة تزيد على 393 مليون ريال، ويوجد 27 مصنعاً باستثمارات مصرية في المدن الصناعية السعودية، وذلك في عدد من المجالات، مثل: صناعة الأجهزة الكهربائية، والمعادن، والتصنيع الغذائي، والمطاط، والبلاستيك، والصناعات الطبِّية وغيرها.
ويقيم نحو مليون مواطن سعودي في مصر، وهي أكبر جالية سعودية في الخارج، كما يفضلُ السيَّاحُ السعوديون قضاءَ إجازاتِهم في مصر، إذْ يشكِّلُون النسبةَ الأكبرَ من بين السياح العرب في مصر، في المقابل يوجدُ نحو 1.7 مليون مقيم مصري في المملكة، مما عزَّزَ العلاقاتِ الاجتماعيةَ بين البلدين.
وحول قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي افتتحها صاحبُ السموِّ الملكي الأمير محمدُ بنُ سلمانَ بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء – حفظه الله – بالرياض 25 أكتوبر 2021 م أكدَت معالي وزيرة البيئة بجمهورية مصر العربية الدكتورة ياسمين فؤاد-خلال مشاركتها في القمة- أنَّ مصرَ تعدُّ ضمن الدول التي لديها توجُّهٌ وإرادةٌ حقيقيةٌ؛لتحقيق التنمية المستدامة مستندة على العديد من الآليات المؤسسية أو التشريعية أو التمويلية.
وأعربت الدكتورة ياسمين فؤاد عن دعم مصر مبادرةَ الشرق الأوسط الأخضر واستعدادها لدفع هذا العمل من خلال مجلس وزراء البيئة العرب التي تتشرَّف برئاسته في دورته الحالية.
وفي مجال الإعلام زارَ معالي وزيرِ التجارةِ وزيرِ الإعلامِ المكلَّفِ الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، المتحفَ القومي للحضارة المصرية بالفسطاط بالعاصمة المصرية القاهرة على هامش زيارته مصرَ للمشاركة في اجتماعات المكتب التنفيذي لوزراء الإعلام واجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب بالقاهرة في شهر يونيو 2021م, والتقى معاليه بنخبة من القيادات الإعلامية، حيث أكدَ حرصَ المملكةِ على تنمية علاقاتِها في المجالات الإعلامية مع مصر، مطالبًا الحضور باقتراح أفكار ومشروعات تعاون تنفيذية؛بهدف زيادة التواصل بين وسائل الإعلام في البلدين الشقيقين، والتركيز على الوسائل الأكثر تأثيرًا لدى الجمهور.
وتسعى المملكةُ العربيةُ السعوديةُ وجمهوريةُ مصر العربية إلى تعزيز التعاون في العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والفنية بما يلبي طموحات وآمال البلدين بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية.
وتعودُ جذورُ التعاونِ الدرامي بين السعودية ومصر إلى ثمانينيات القرن الماضي،إذْ شاركَ فنانون مصريون في أعمال درامية خُلِّدَتْ في أذهان السعوديين،ومن أشهرها مسلسل أصابع الزمن، وليلة هروب، وغيرها من المسلسلات التي أسَّسَت لهذا التعاون المشترك بين فناني البلدين، ويعودُ اليوم عبر شراكات جديدة بين مؤسسات الإنتاج السعودية والمصرية، في سياق التوجه السعودي نحو تطوير صناعة الدراما والسينما المحلية، والاستفادة من التجارب المصرية في هذا المجال.