توفي اليوم الأحد، عبد القدير خان، مهندس البرنامج النووي الباكستاني، وفق ما نقلت وكالة “فرانس برس” عن التلفزيون الوطني
وتوفي عبد القدير خان، “أب القنبلة النووية الباكستانية”، عن عمر يناهز الـ85 عاما، حسب ما نقلته قناة “بي تي في”.
وتم الاحتفاء بعبد القدير خان باعتباره بطلا قوميا لأنه جعل بلاده أول قوة نووية إسلامية في العالم، لكن الغرب اعتبره مرتدا خطيرا، وفق “فرانس برس”
عبد القدير خان عالم باكستاني، أبو القنبلة النووية الباكستانية، اهتم بالعلم فسخره للخروج بالمسلمين الى ساحة الرقي و العزة بين الأمم، فتمكن من إنشاء مفاعل كاهوتا النووي في ستة أعوام فقط.
ميلاد عبد القدير خان ونشأته.
هو “عبد القدير” بن عبد الغفور خان، وُلِدَ في ولاية بهوبال الهندية سنة 1935م، لأسرة متواضعة، هاجرت إلى كراتشي في جنوب باكستان، كان أبوه عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935م، وتفرَّغ لتربية ولده ورعايته، وكانت أمه “زليخة بيجوم” امرأة تقيَّة مؤمنة تتقن اللغة الأُرْدِية والفارسية(1)؛ وبعد سنوات تخرَّج عبد القدير خان في مدرسة الحامدية الثانوية ببوبال، ثمَّ توفي والده سنة 1957م(2).
تخرج عبد القدير خان في كلية العلوم بجامعة كراتشي سنة 1960م، وتقدم لوظيفة مفتش للأوزان والقياسات (وظيفة حكومية من الدرجة الثانية)، وكان عبد القدير خان أحد اثنين قُبِلُوا بهذه الوظيفة من بين مائتي متقدِّم، وكان راتبه مائتي روبية في الشهر، ولكنَّه استقال منها رفضًا لما يتقاضاه مديره من رشاوى(3)، ولما لم يجد وظيفة قرَّر السفر إلى الخارج لاستكمال دراسته، وتقدم لعدة جامعات أوربية؛ وانتهى به الأمر في جامعة برلين التقنية؛ فأتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن، ثم نال الماجستير سنة 1967م من جامعة (دلفت) التقنية بهولندا، ثم درجة الدكتوراه من جامعة (لوفين) البلجيكية سنة 1972م(4)، وشغل بعدها وظيفة كبير خبراء المعادن بشركة FDO الهندسية الهولندية، والتي كانت يومها على صلة وثيقة بمنظمة “اليورنكو” المهتمة بتخصيب اليورانيوم(5).
وحين فجرت الهند القنبلة النووية عام 1974م كتب الدكتور عبد القدير خان رسالة إلى رئيس وزراء الباكستان في حينها “ذو الفقار علي بوتو” قال فيها: “إنه حتى يتسنَّى للباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ”. ولم يستغرق الرد على هذه الرسالة سوى عشرة أيام، والذي تضمَّن دعوة للدكتور عبد القدير خان لزيارة رئيس الوزراء بالباكستان، والتي تمت بالفعل في ديسمبر عام 1974م، قام رئيس الوزراء بعدها بالتأكد من أوراق اعتماده عن طريق السفارة الباكستانية بهولندا، وفي لقائهما الثاني عام 1975م طلب منه رئيس الوزراء عدم الرجوع إلى هولندا؛ وذلك حتى يرأس برنامج الباكستان النووي(6).
عاد عبد القدير خان إلى إسلام أباد سنة 1976م؛ حيث كلَّفه ذو الفقار علي بوتو بتأسيس “البرنامج النووي المدني”، وفي 1981م أُطلِقَ على المختبر الرئيسي للأبحاث الذرية الباكستانية “مختبرات أبحاث الهندسة” في (كاهوتا) قُرب إسلام أباد اسم “مختبرات خان للأبحاث” تكريمًا له.
وفي عام 1998 أصبح عبد القدير خان (أبو القنبلة النووية الباكستانية) بطلاً قوميًّا عندما أعلنت جمهورية باكستان الإسلامية رسميًّا نفسها قوة نووية بعد أسابيع من جارتها الهند عقب امتلاك السلاح النووي(7).
أهمُّ أعمال عبد القدير خان
بدأ عبد القدير خان أعماله العظيمة؛ عندما عهد إليه بتأسيس المفاعل النووي الباكستاني؛ فأحدث ثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادةً من فكرة، ثم قرار، ثم دراسة جدوى، ثم بحوث أساسية، ثم بحوث تطبيقية، ثم عمل نموذج مصغر، ثم إنشاء المفاعل الأَوَّلي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه.. حيث قام فريق الدكتور عبد القدير خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة، وتمكنت معامل كاهوتا من ابتكار تقنية تستهلك عُشْر الطاقة المستخدمة في الأساليب القديمة!!
ثم قام الفريق الباكستاني بقيادة عبد القدير خان بتصميم النابذات، وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية، وحساب الضغوط، وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل، حتى حين اشتد الهجوم على البرنامج النووي، وطُبِّقَ الحظر والعقوبات الاقتصادية، بحيث لم يتمكن الفريق من شراء ما يلزمه من مواد.. بدأ المشروع في إنتاج جميع حاجياته بحيث أصبح مستقلاًّ تمامًا عن العالم الخارجي في صناعة جميع ما يلزم المفاعل النووي.
وقد تَوَّج الدكتور عبد القدير خان حياته العلمية وخدماته الجليلة لوطنه بالرد على تفجير الهند النووي في مايو سنة 1998م، بتفجير نووي مماثل، بعد أسبوعين فقط من التفجير الهندي، لتنضم باكستان إلى النادي النووي.
ولعلَّ أعظم إنجاز لعبد القدير خان يتمثل في تمكُّنه من إنشاء مفاعل “كاهوتا النووي” في ستة أعوام فقط؛ بينما يستغرق إنشاؤه عادةً عَقدين من الزمان -في أكثر دول العالم تقدمًا في مجال الصناعة النووية- كما أنَّ المختبرات التي أشرف عليها خان أنتجت أفضل يورانيوم مخصَّب في العالم!!
وامتدت أنشطة معامل عبد القدير خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت عبد القدير خان معهدًا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية(8).
جوائز عبد القدير خان
نال عبد القدير خان ثلاث عشرة ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة، كما نال أعلى وسام مدني تمنحه الدولة الباكستانية “وسام هلال الامتياز” سنة 1989م، ووسامًا آخر عام 1996م تقديرًا لإسهاماته المهمة في العلوم والهندسة.