قال موقع “المانيتور” إن القرار السعودي القاضي بتخصيص ثلاثة مليارات دولار أمريكي لمساعدة الجيش اللبناني بعتاد وأسلحة فرنسية شكَّل مفاجأة لمؤيدي الخطوة ومنتقديها على حدٍّ سواء.
ورأى أن أهم ما في هذه الخطوة لا يقتصر فقط على قيمة المبلغ المخصص، وهو الأعلى في تاريخ ما قدِّم للجيش اللبناني من مساعدات، لا بل قل ما وصل الدولة اللبنانية من هبات، إنما يكمن في الشراكة الفرنسية – السعودية المستجدة، والتي تشكّل تحولاً أساسياً على ساحة الشرق الأوسط، بخاصة في ظلِّ التراجع الأمريكي الذي فتح المنطقة على فراغ هرولت إلى ملئه ليس فقط القوى الإقليمية المعنية، ولكن أيضاً المنظمات الإرهابية الآتية من كل حدب وصوب.
ولفت إلى أنه أعلن عن المساعدة السعودية رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان عن طريق رسالة وجهها إلى اللبنانيين، ما يدل ليس فقط على أن الخطوة منسقة بين الأطراف الثلاثة، إنما يشير أيضاً إلى نواة شبكة أمان دولية يتم نسجها للإحاطة بالبلد الصغير الواقف على حافة الهاوية، فعن يمينه يطل شبح حرب مذهبية امتدت من سوريا لتبلغه وتلهب مدنه وشوارعه، وعن يساره يهدده فراغ دستوري قد تقع فيه الجمهوريّة اللبنانية برمتها، فيطيح ليس فقط بالمؤسسات، لا بل قل بالكيان إن لم يُسَرْ إلى تأمين استمرارية للسلطة عند نهاية ولاية رئيس الجمهورية في مايو المقبل.
وقال الموقع إن حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي المستقيلة فقدت كل المقومات الشرعية التي تقوم عليها السلطات، وما من إمكانية لتشكيل حكومة تضم الأطراف كافة كما جرت العادة بعدما تعطلت المؤسسات الدستورية، وفي كل يوم يمر على البلد الصغير يتعمق الانشقاق أكثر.
ورأى أنه لم يعد أمام الرئيس سليمان سوى تشكيل حكومة مع علمه المسبق بأنها لن تلاقي موافقة جميع الأطراف، لا سيما حزب الله الذي شرع يطلق الوعيد والتهديد، لكن قراراً من هذا النوع بحاجة إلى دعم دولي.
وقال: “قد تكون المبادرة الفرنسية – السعودية أول خطوة في هذا الاتجاه، فمساعدة الجيش وإعلان الرئيس عن هذه المساعدة هما في رمزيتهما رسالة دعم للشرعية اللبنانية المهددة بالفراغ”.
واعتبر أن لهذا التقارب الفرنسي – السعودي أبعاداً إقليمية أيضاً، ففرنسا تعود إلى المشرق العربي بعدما أخرجت منه كقوة منتدبة وعلى مراحل في أعقاب الحربَين العالميتَين الأولى والثانية، على إثر ثورة عربية وجهاد وطني قام بهما الشعب السوري تحت شعار الدفاع عن الإسلام والعروبة.
ولفت الموقع الإخباري إلى أنه من المفارقة بمكان أن تعود فرنسا إلى ساحة المشرق العربي اليوم ومن البوابة السورية تحديداً، وبشراكة مع المملكة العربية السعودية أرض الحرمَين الشريفَين، أي بغطاء عربي وإسلامي، سني على وجه التحديد، وذلك في مواجهة غير معلنة مع المد الإيراني الذي يتّخذ من التواجد الشيعي ومن حليفه العلوي في بلاد المشرق مرتكزاً له.
وقال إنه في لبنان كان الأمر مختلفاً، إذ إن الوجود الفرنسي كان ضامناً للوجود المسيحي ومن خلاله عراباً للجمهوريّة اللبنانية التي كان للطائفة المسيحيّة الدور الأول في إنشائها، تطورت هذه العلاقة الفرنسية -اللبنانية وشملت كل اللبنانيين مع ما سمّي بالسياسة العربية لفرنسا التي أرسى قواعدها الجنرال الفرنسي شارل ديجول.
ولفت إلى أن الانفتاح الفرنسي على المسلمين بلغ ذروته مع رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري نتيجة لما مثله هذا الرجل على المستوى العربي والسعودي تحديداً، وللعلاقة الوثيقة التي ربطته بالرئيس الفرنسي الديجولي جاك شيراك.
وقالت “المانيتور” إنه لطالما تطابقت المصالح السعودية – الفرنسية في المسألة اللبنانية، فالبَلدان يلتقيان على دعم الشرعية اللبنانية على قاعدة التسوية التي أرساها اتفاق الطائف، وقد بلغ هذا التقارب حد التماهي في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري، من خلال دعم الطرفَين لفريق 14 آذار ولقرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.. خطوتان من شأنهما إعادة التوازن في البلد الصغير الذي يرزح تحت الوصاية الإيرانية -السورية.
ولفت إلى أن هذه الشراكة شهدت انتكاسة مع وصول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى السلطة وتقدّم قطر على خطّ الملفين اللبناني والسوري، لكن الأمور ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه في أعقاب الربيع العربي واشتداد الصراع مع إيران.
وقال إن هذه ليست المساعدة الأولى التي تقدمها السعودية إلى لبنان، فقد كان للمملكة الدور الأول في دعم لبنان سياسياً ودعم اقتصاده ومسيرة إعادة إعماره، وحتى في دعم عملته الوطنية عبر ودائع لدى المصرف المركزي اللبناني.
واستدرك الموقع: إنها المرة الأولى التي يأتي فيها هذا الدعم بشراكة مع فرنسا، في خطوة لها مدلولاتها وأبعادها على المستوى الإقليمي.. فالبَلدان وكل واحد من موقعه يجلسان في المقاعد الأمامية لجهة دعم الثورة السورية والوقوف في وجه النفوذ المتنامي للطرف الإيراني في جميع بلدان المشرق العربي، بخاصة في أعقاب التقارب الأمريكي – الإيراني الذي أخلّ بكلّ الموازين وأجبر قوى إقليمية بارزة مثل المملكة العربية السعودية على استحداث بدائل عن الشريك الأمريكي أو قل الوسائل لمواجهة النفوذ الإيراني.
ورأى أن هذه الخطوة الفرنسية – السعودية كسرت الحلقة المفرغة التي كانت تدور فيها سياسة دعم الجيش اللبناني، فالكل كان يريد دعم الجيش، والجيش لا يتلقى أي دعم، والطرف الأمريكي المؤيد للشرعية اللبنانية والذي مدّ الجيش اللبناني بالتدريب والمعدات، لطالما كان يتوانى عن تقديم السلاح النوعي إليه مخافة من أن يقع هذا السلاح في يد حزب الله، وأن يشكّل تهديداً للأمن الإسرائيلي، أما حزب الله فقد بنى على هذا التناقض الذي أعاق بناء قدرات الجيش وجعل منه حجّة للإبقاء على سلاحه وتكريس دوره الموازي للقوى العسكرية الشرعية في إستراتيجية الدفاع الوطني.
وقال إن الخطوة الفرنسية – السعودية الأخيرة تكسر هذه الحلقة المفرغة، ولذا فهي مرشحة لأن تلاقي سيلاً من الانتقادات والمعارضة.