أطلقت السعودية البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز في عام 1984، بعد اكتشاف أول حالة مصابة بالفيروس، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن ما زالت الأرقام والإحصاءات مختلفة ومتضاربة بين الاختصاصيين، والذين يرجعون الاختلاف إلى تحفظ وزارة الصحة وعدم سماحها للأطباء بالحديث عن الأرقام، على الرغم من ارتفاع معدل الإصابة بالمرض بنسبة 5 % كل عام.
استشاري: نصفهم من السعوديين
كشف استشاري الأمراض المعدية في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، الدكتور “غسان ولي عن أن نسبة السعوديين المصابين بفيروس نقص المناعة تمثل 50 % من عدد الحالات المصابة في المملكة، والبالغ عددها 13 ألف حالة وفقاً لإحصاءات وزارة الصحة، مفيداً بأن نسبة الإصابة تزداد سنوياً بمعدل 5 %.
ولفت إلى أن السبب الرئيسي لإصابة الشباب بالفيروس هو من جراء الممارسات غير المشروعة، والتي تمثل 85 % من نسبة الإصابة، فيما تصل نسبة الإصابة نتيجة لتعاطي المخدرات إلى 15 %، مشيراً إلى أن أعلى الأماكن انتشاراً لهذا الفيروس بنسبة 45 % من الحالات المصابة في المنطقة الغربية “مكة، جدة، الطائف”، مرجعاً سبب ذلك إلى وجود العمالة الإفريقية المخالفة وترويجها للدعارة.
أطفال وفتيات
وبيّن “ولي” أن عدد الأطفال المصابين في المملكة بلغ 500 طفل مصاب بالفيروس، تم انتقال المرض إليهم بسبب إصابة الأم بالفيروس. أما نسبة الفتيات المصابات فتقدر بأقل من 20 % من نسبة حاملي الفيروس.
وأضاف “ولي” أنه تم التوصل إلى ابتكار دوائي وقائي جديد يمنع إصابة الزوج أو الزوجة غير المصاب من الآخر، وهذه طريقة حديثة وفعّالة في عدم نقل المرض بنسبة 96 %، بشرط تناول المريض الدواء بشكلٍ يومي، لافتاً إلى أن منظمة الصحة العالمية أدرجت “الإيدز” كأحد الأمراض المزمنة كالضغط والسكر.
ونصح في نهاية حديثه بأهمية تطهير المدن والأحياء من العمالة الإفريقية المخالفة التي تروج للدعارة؛ مما سيؤدي إلى انخفاض 50 % من النسبة المصابة.
ضحايا الآخرين
وكان لابد من مقابلة عدداً من المصابين الذين هم ضحايا لأخطاء الآخرين، وتحدثوا عن تجربتهم المريرة مع المرض، حيث تحدثت إحدى الأمهات عن معاناتها ومعاناة طفلها ذي السنوات التسع قائلة: “لم أكن أتوقع أنني من أورثت ولدي فيروس الإيدز الذي أورثه لي زوجي قبل وفاته، قد تفاجأت بأنه حاملٌ للفيروس في فترة متأخرة بعد أن عانى مشكلات صحية عدة ألزمته الفراش معظم فترات طفولته”.
وتابعت بصوت مبحوح: “ما ذنب طفلي الذي وقع ضحية لسلوك خاطئ كان قد ارتكبه والده، وكيف سينظر ويتعامل معه المجتمع؟!”.
“قررنا عدم الإنجاب!”
وبدأت الفتاة “س. أ” قائلة: “أشعر بالموت في كل لحظة من حياتي.. أصبت بالفيروس منذ اليوم الأول من عمري بواسطة والدتي، ولم أتنعم بطفولتي، بل أصبح أهلي ينظرون إليّ كأني المسؤولة عن هذا، فأصابتني العزلة، وأصبحت أسيرة أحزاني في غرفتي، وعاملني من حولي بتقزز إلى أن قررت الزواج من أحد المصابين، والحمد لله، نحن اليوم نعيش بعيداً عن الناس، وقررنا عدم الإنجاب مطلقاً، فلا ذنب لطفل أن يأتي حاملاً لهذا الفيروس”.
“ما ذنبي في مرضي؟”
وتقول إحدى المصابات: “وُئدت فرحتي في مهدها حين تقدم شاب لخطبتي، ولم يكن يعلم بحقيقة مرضي، ووجدته شاباً ملتزماً ومن أسرة طيبة، وطرت فرحاً به، ولكن بعد أن أخبر والدي العريس بحقيقة مرضي الذي حصلت عليه بالخطأ انصرف بهدوء، وترك جرحاً غائراً في نفسي، وحاصرتني التساؤلات: ما ذنبي في مرضى؟!”.
الكشف الإلزامي
طالب استشاري الأمراض المعدية ومدير الجمعية السعودية للأحياء الدقيقة والأمراض المعدية بالمنطقة الغربية، الدكتور” نزار باهبري بإلزام الأم الحامل بإجراء اختبار إيدز، مع تكثيف للحملات الوطنية التثقيفية بأهمية التحليل، مؤكّداً أن الوصول إلى أطفال أصحاء “إلى الصفر” لن يتحقق إلا بتحليل المرأة الحامل، حتى لا ننجب أطفالاً لا ذنب لهم.
وأكّد أن نسبة إصابة الفتيات بفيروس “الإيدز” ضئيلة جداً، وعادة ما تكون بسبب الأم أو من عيادات الأسنان والحجامة التقليدية.
نسب متضاربة
وفيما تضاربت نسب الإصابة بمرض الإيدز في السعودية بين الأرقام التي تعلنها وزارة الصحة والأرقام التي يقدرها عدد من الاختصاصيين، أعلنت المدير العام لبرامج الإيدز في السعودية، الدكتورة “سناء فلمبان”، أن العدد التراكمي لجميع الحالات المكتشف إصابتها منذ بداية 1984م وحتى نهاية 2012م نحو 18762 حالة، منهم 5348 سعودياً، مشيرة إلى أنه تم اكتشاف 1233 حالة جديدة مصابة بفيروس الإيدز عام 2012 منهم 431 سعودياً.
وبسؤالها عن نسب المصابين الذين يتلقون العلاج خارج المملكة أجابت فلمبان: “النسب المسجلة هي من يتلقى العلاج بالداخل ولا أحد يستطيع التوقع بنسبتهم بالخارج”، وقالت: “جميع الأطفال في السن المبكرة تنتقل العدوى إليهم من الأم المصابة إلى الطفل خلال فترة الحمل أو الولادة، أو حتى في الرضاع”، مؤكدة أن “نسبة المصابين بعدوى الإيدز في السعودية تعد قليلة جداً مقارنة ببعض الدول الأخرى”.
دعم عاطفي
دعا استشاري الطب النفسي بمركز النخيل بجدة “الدكتور علي زائري” أسرة الطفل المصاب لاحتوائه وتوفير الدعم العاطفي والنفسي له، وعدم التخلي عنه في الوقت الحاسم، ما يشعره بالطمأنينة، مفيداً بأن إبلاغ الطفل بمرضه يعتمد على الظروف المحيطة به ونفسيته في حينها، مفضلاً عدم إبلاغ المدرسة دائماً، إلا إذا كان هناك مصلحة للطفل أو لبقية الأطفال، وقال: “يجب أن يكون الإبلاغ فقط للأشخاص المعنيين بذلك مثل: إدارة المدرسة، والمشرفين على الطفل بشكلٍ مباشر”.
وأبدى الباحث في حقوق الطفل “معتوق الشريف” أسفه لغياب التنظيمات الخاصة بالطفل، وقصور التشريع الذي يسمح بإنشاء جمعيات خاصة به، لافتاً إلى أن تهميش حقوق الطفل المريض بالإيدز في التعليم والعلاج، وطالب وسائل الإعلام بمناصرة قضايا الأطفال مرضى الإيدز.
وعن المعاناة النفسية لمريضة الإيدز قالت استشارية علم النفس الإكلينيكي الدكتورة “مها حريري”: “قد تصاب الفتاة باضطرابات نفسية: قلق، اكتئاب، وسواس”، لافتة إلى أنها قد تصبح شخصية “سيكوباتية” تحاول الانتقام من المجتمع؛ لأنه عدو من وجهة نظرها، وقد تصاب باضطراب عاطفي فتصبح شديدة الحساسية.
يُذكر أن الغرض من اليوم العالمي للإيدز الذي يُحتفل به في 1 ديسمبر، هو حث الناس في جميع أنحاء العالم على إذكاء الوعي بوباء الإيدز والعدوى بفيروسه، وإبداء تضامن دولي من أجل التصدي لهذا الوباء.