– “الداخلية”: إطلاق النار في المناسبات وحفلات الزواج ممنوع ويشكِّل قلقاً وخطراً كبيرين
– السليس: عادة مجتمعية بدأت بالتفاخر والتنافس بين أبناء البادية وانتهت بالمآسي
– فيصل بن محمل: على مطلقي النار السجن والغرامة بموجب نظام الأسلحة والذخائر
– اليمني: لا بد من حملة إعلامية توعوية شاملة تتضافر فيها جميع الجهود
– الشيخ الفوزان: لا يجوز شرعاً إطلاق النار في المناسبات
بدأت مناسبات الأعراس أفراحاً وتحولت إلى أتراح بتصرفات لا مسؤولة من أشخاص خرقوا الأنظمة والقوانين مسببين مآسي، لم تفلح السنون في مسح آثارها ودمل ذكرياتها المؤلمة. وعلى الرغم من ذلك فإن ثقافة إطلاق النار في حفلات الزواج ما زالت السائدة في ظل جهل بعض أفراد المجتمع بمخاطرها، وعدم حزم الجهات المختصة في الحد من هذه الظاهرة. ومع قرب بدء موسم حفلات الزواج تتساءل “سبق” عن كيفية المعالجة والحد من استخدام الأسلحة النارية في الأعراس والمناسبات الاجتماعية.
مأساة “عين دار”
قرابة عامين مرَّا على مأساة “عين دار” في محافظة بقيق، التي تسببت فيها طلقة فرح طائشة في قطع وسقوط كيبل كهربائي على موقع حفل زواج؛ ما تسبب في وفاة 25 حالة بين أطفال ونساء ورجال، وإصابة 30 آخرين، بحسب تأكيدات الناطق الإعلامي لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية آنذاك. ولم تفلح ذكريات تلك الحادثة المؤلمة، التي سبقها الكثير من المآسي، وما زالت حاضرة في أذهان الجميع، في إيقاظ الحس الإنساني داخل أناس أنستهم مشاعر الفرح اللحظية استشعار خطورة تلك الطقوس؛ لتستمر المآسي قبل أيام قليلة بتسجيل حالتَيْ وفاة وإصابة شخص ثالث في حفل زواج في بللحمر جنوب البلاد؛ بسبب الممارسات نفسها التي باتت تشكِّل قلقاً كبيراً لدى المواطنين؛ ونتج منها إزهاق أنفس بريئة وإصابات خطيرة.
عادة مجتمعية
من جانبه، صنف الإعلامي والباحث التاريخي يوسف السليس ظاهرة إطلاق النار في الزواجات والمناسبات الخاصة بأنها “عادة مجتمعية”، لافتاً إلى أنها “كانت تعد نوعاً من أنواع التفاخر بألعاب الحرب وطقوسها، يمارسها أبناء البادية في مناسباتهم”. مشيراً إلى أنها حالياً أصبحت نوعاً من أنواع كماليات الزواج. وقال السليس لـ”سبق”: “نشأت هذه العادة في وسط وجنوب الجزيرة العربية؛ إذ كانت سابقاً في نجد على هيئة نوع من التنافس يوم عصر الزواج، بوضع هدف يتم رميه، ومَنْ يُصِبْهُ يكسبْ الرهان، ثم تطورت حتى أصبحت عادة مصاحبة لقدوم العريس لمقر الحفل”. وأضاف السليس: “أما في الجنوب وبعض المناطق السعودية الأخرى فقد كانت على هيئة عروض، يتم من خلالها الاستعراض بإطلاق النار في الهواء، إلى أن أصبحت بعد ذلك مصاحبة لقدوم العريس كذلك للمحفل”. وروى السليس حادثة ما زالت تختزلها ذاكرته عن قصة عريس توجه لموقع حفل زواجه، وخلفه المصاحبون يعبرون عن فرحتهم بإطلاق النار في موكب يسير على مهل، حتى وصل الجميع هناك، وقتلت طلقة طائشة بقية تفاصيل الفرح، بعد أن استقرت في ظهر العريس، في حين كان صاحبها يريد إطلاقها ابتهاجاً مسرعاً في نزوله من سيارته، إلا أن باب السيارة عاد بسرعة ليغير وجهة الطلقة من السماء إلى ظهر القتيل.
خُطب الجمعة
ولم يبرِّئ الإعلامي خالد اليمني وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والإذاعية من تهمة التقصير في قيامها بدورها التوعوي للمواطن، إلا أنه حمَّل أيضاً أئمة وخطباء المساجد ومعلمي المدارس والجامعات المسؤولية ذاتها، مؤكداً ضرورة تضافر جهود الجميع لتعزيز ثقافة المجتمع بخطورة تلك الممارسات، ومناشداً تفعيل حملة توعوية شاملة لذلك. وقال اليمني “للأسف، نجد تقصيراً إعلامياً واضحاً في التحذير من تلك الممارسات السيئة جداً، خاصة في الإعلام المرئي، ونجد بعض التحذيرات في الصحف المحلية بشكل قليل جداً؛ لا يفي بالغرض، كما هي الحال في المدارس والجامعات وخطب الجمعة”. وأضاف: “أناشد من هذا المنبر تفعيل حملة وطنية توعوية، تشمل برامج تلفزيونية وإذاعية وتقارير صحفية وأفلاماً قصيرة مناسبة لبرامج التواصل الاجتماعي، للتحذير من خطورة استخدام السلاح في قاعات الأفراح”. وتابع: “كما يجب استغلال برامج الأنشطة الطلابية في المدارس والجامعات لتنفيذ الحملات التوعوية. والدور الأكبر يقع على عاتق منبر صلاة الجمعة؛ فهو المنبر المؤثر إعلامياً وتوعوياً في نفوس جميع المسلمين”.
السجن والغرامة
وأوضح المستشار القانوني فيصل بن محمل أن “استخدام الأسلحة أثناء الأفراح والمناسبات يعدّ مخالفة صريحة لنظام الأسلحة والذخائر؛ تعرض مرتكب هذا الجرم للعقوبة بالسجن أو الغرامة المالية، أو بكلتا العقوبتَين حسب الحالات المنصوص عليها في النظام”. وأضاف ابن محمل: “ينظر لهذا الجرم من حالين، إما أن يكون السلاح مرخصاً واستخدامه تم في غير الغرض المرخص من أجله، وفي ذلك يعاقَب بالسجن لمدة لا تتجاوز سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، أو يكون السلاح غير مرخص؛ فيعاقَب مستخدمه بالسجن لمدة لا تزيد على ١٨ شهراً، وبغرامة مالية لا تزيد على ستة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين”. وتابع: “كما أنه في حالة حدوث أي إصابة لسوء استخدام الأسلحة بما يعرض سلامة الآخرين للخطر، فإن المتسبب يعرض على القضاء الشرعي لتقدير العقوبة المستحقة عليه شرعاً فيما يتعلق بالحقَّيْن الخاص والعام، إضافة إلى ما قرره النظام مسبقاً بالحالات المشار إليها أعلاه”. ولفت ابن محمل إلى أن بعض مطلقي النار يعتقدون أن تلك الطلقات تتفجر في الهواء وتنتهي، وهذا اعتقاد خاطئ، حسب وصفه، مؤكداً تسجيل حالات كثيرة في القضاء لطلقات عادة إلى الأرض، وسببت بعض الأضرار، وكان آخرها حادثة مقتل طفلة المدينة قبل أيام عدة، التي مزقها الرصاص في حفل زواج أقاربها.
دور وزارة الداخلية
وكشفت مصادر عن صدور توجيهات وزارة الداخلية لإمارات المناطق وشُرَطها بضرورة التعامل بحزم مع مخالفي الأنظمة المتعلقة بمنع استخدام الأسلحة النارية خلال المناسبات الخاصة وحفلات الزواج. وأشارت المصادر إلى أنه تم تعميد شُرَط المناطق بمراقبة أصحاب القصور وقاعات الاحتفالات والاستراحات، وتطبيق النظام بدقة. وأضافت بأن توجيه وزارة الداخلية شدد على إمارات المناطق والأجهزة الأمنية المختصة وهيئة التحقيق والادعاء العام بتطبيق الأنظمة والتعليمات بحق من يقوم بإطلاق النار في تلك المناسبات بمختلف مناطقها ومحافظاتها ومراكزها الإدارية؛ إذ يُعد إطلاق النار في مثل هذه الحالات جريمة يعاقَب عليها بموجب نظام الأسلحة والذخائر بالسجن والغرامة. وبيّنت أن وزارة الداخلية شددت في توجيهها على سرعة تطبيق الأنظمة والإجراءات المبلغة لهم؛ على خلفية ما تم رصده من زيادة في ظاهرة إطلاق النار في المناسبات وحفلات الزواج، التي أصبحت تشكِّل قلقاً وخطراً كبيرَيْن على المواطنين، وما نتج منها من إزهاق أنفس بريئة، وإصابات خطيرة، وترويع للآمنين، وانتهاك للنظام العام، كان آخرها ما تعرض له مواطنون في منطقة عسير في مركز باللحمر، ونتج منه وفاة شخصين، وإصابات لأشخاص في محافظة الخرج في حفلات الأعراس. وأشارت المصادر إلى أن وزارة الداخلية أبلغت “الشؤون الإسلامية” بضرورة توعية المواطنين عن طريق خطباء المساجد بضرورة التخلي عن إطلاق الرصاص خلال حفلات الزواج؛ لما يصاحب ذلك من إحداث تحوِّل أفراحهم إلى أتراح، ويصاحبه عقوبات بحقهم. وبينت المصادر أن شُرَط المناطق بدأت في أخذ تعهدات على أصحاب قصور الأفراح والقاعات المخصصة للزواج بمنع السماح لأصحاب المناسبات بإطلاق الرصاص.
مشروعية إطلاق النار
وعندما سُئل الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للإفتاء، عن جواز ما يحدث في مناسبات الزواج من إطلاق بعض المشاركين في الفرح النار من الأسلحة أو الألعاب النارية ونحو ذلك، مما فيه من تبذير وإهدار للمال في غير وجهه الشرعي، أجاب فضيلة الشيخ بما نصه: “لا شك أن هذا لا ينبغي، ولا يجوز الإسراف في الحفلات، والإسراف في إظهار الفرح، وإطلاق النار وما أشبه ذلك، وكل هذا من المبالغة والإسراف، إضافة إلى ما قد يترتب عليه من الخطر؛ لأن إطلاق النار باستعمال السلاح ربما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين”. وأضاف: “فالحفلات والفرح بمناسبة الزواج إنما تكون بحدود مشروعة ومعقولة، ليس فيها إسراف، وليس فيها تبذير. والذي ننصح به إخواننا أنهم في مثل هذه المناسبات يتعقلون في أمرهم، ويحتفلون احتفالات لا إسراف فيها ولا تبذير ولا غفلة عن ذكر الله -عز وجل- ولا يحصل فيها محاذير ومنكرات؛ فكل هذا مما لا يجوز، والمسلمون مَنهيِّون عن الإسراف في الفرح والإسراف في تبذير المال من غير فائدة، وكل ما تجاوز حده فإنه ينقلب ضده. والله أعلم”.