تُعدّ القهوة العربية رمزًا أصيلًا للكرم وحسن الضيافة ، لما تحظى به من اهتمام ومكانة خاصة توارثها أبناء المملكة العربية السعودية منذ مئات السنين ، اقترنت خلالها بمعاني الترحيب والعناية وحسن الوفادة لكل من ينزل بمنازلهم وجوارهم في عادة عربية أصيلة توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل.
مرتفعات منطقة جازان الواقعة في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة تعد من أهم المناطق التي عرفت بتاريخها الطويل في زراعة البن، بل زارعة أجود أنواع البن على مستوى العالم بشهادة العديد من خبراء وتجار القهوة الدوليين، الذين أكدوا جودة المنتج وغزارة إنتاج أشجار البن بمزارع المنطقة، خبرة المزارعين من أهالي المنطقة الجبلية خاصة كبار السن منهم في التعامل مع أشجار البن ورعايتها في ثقافة زراعية واسعة اختلطت بعبق هذه النبتة العريقة.
ويُعود تاريخ زراعة البن في جازان إلى قرون خلت، حيث توفر الأرض الخصبة ومع وجود مناخ مثالي لنمو أشجار البن وإزهارها وطرح ثمارها من البن، فشملت زراعة البن جميع محافظات القطاع الجبيلي بجازان من العارضة جنوبا، مرورا بمحافظات فيفا والدائر بني مالك والعيدابي وهروب وصولاً إلى محافظة الريث المجاورة لمنطقة عسير التي تعد هي الأخرى مع منطقة الباحة من المناطق التي عرفت بزراعة البن، ليصبح بذلك مصدرًا مهما للرزق لسكان هذه المناطق والمحافظات.
وتُغطي مزارع البن مساحات شاسعة من جبال جازان، لتُشكل لوحة طبيعية خلابة تسحر الأنظار، من خلال نظام زراعي تقليدي تعارف عليه الأهالي، يعتمد على الأمطار الموسمية والري اليدوي، مما يُضفي على قهوة جازان طابعًا خاصًا يُميزها عن غيرها.
وتتطلب زراعة البن عناية خاصة ودقة في كل خطوة، بدءًا من اختيار الشتلات المناسبة وزرعها في التربة المُخصّصة، مرورًا بالري والتسميد ومكافحة الآفات، وصولًا إلى مرحلة الحصاد التي تتميز بدقة انتقاء حبوب البن الناضجة، مما جعل مزارع بن جازان ذات ميزة نسبية، تبرز في توفر التربة الخصبة والمناخ المعتدل، التي تعد عوامل مثالية لنمو أشجار البن وإنتاج حبوب عالية الجودة منه، إضافة لما تحظى به زراعة البن من اهتمام كبير من قبل القيادة الرشيدة، حيث يتمّ تقديم الدعم للمزارعين عبر برامج التمويل والتدريب، وتطوير تقنيات زراعة البن وتحسين جودة الإنتاج.
وتبدأ رحلة حبة البن من المزرعة إلى الفنجان وفقاً للمزارع جبران محمد يحيى المالكي الحاصل على جائزة أفضل مزرعة نموذجية بالمنطقة، فإن حبة البن تُمرّ برحلة طويلة قبل أن تصل إلى الفنجان، تبدأ من زراعة الشتلات والعناية بها حتى تثمر، ثم تُقطف حبوب البن بعناية فائقة، وتُجفف تحت أشعة الشمس، وتُقشر، ولُتحمص أخيراً وتُطحن لتصبح جاهزة للإعداد وتناولها وتقديمها.
وبين أن أشجار البن تحتاج منذ غرسها حتى تثمر مدة تصل إلى 5 سنوات من الرعاية المنتظمة، بما في ذلك الري والتسميد والتقليم ومن ثم حصاد حبوب البن الذي يتمّ يدويًا، وتجفيفها ومعالجتها قبل تحميصها وطحنها ، مؤكداً أن القهوة العربية تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من ثقافة أهالي جازان، في إكرامهم للضيوف، من خلال تحضيرها بطريقة تقليدية باستخدام أدوات خاصة مثل “المعاميل” و “الجبنة” و”المهباش” و”الفناجين الصغيرة”.
وتتعدى أهمية زراعة البن في جازان الجانب الثقافي والتراثي والزراعي لتبرز كواحد من أهم الجوانب الاقتصادية بالمنطقة ، حيث تُوفر فرص عمل لعدد كبير من السكان، وتُساهم في تنمية المنطقة وتحسين مستوى معيشة أهلها ، خاصة بعد تخطي عدد أشجار البن في المنطقة 400 ألف شجرة، يتجاوز إنتاجها الإجمالي من البن الـ 1000 طن سنويًا.