كشف البروفيسور طارق مدني رئيس شعبة الأمراض المُعدية بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز، أن الأبحاث التي تم إجراؤها خلال الفترة الأخيرة، نجحوا من خلالها في عزل فيروس ميرس كورونا وإثبات علاقة الإبل بنقل حمى كورونا للإنسان.
وقال الدكتور مدني مكتشف حمى الوادي المتصدع في منطقة جازان عام 2000م وحمى الخمرة النزفية في مكة المكرمة عام 2001م، خلال حوار هاتفي مع “سبق” إنهم أرسلوا تفاصيل العلاقة بين الإبل ونقل المرض للإنسان لإحدى المجلات العلمية المتخصصة، مشيراً إلى أنهم يتوقعون نشرها في القريب العاجل.
تحديد التسلسل الجيني
وواصل متحدثاً عن تلك التجارب: في 3 نوفمبر عام2013م تم تنويم مواطن يبلغ من العمر (44) سنة في وحدة العناية المركزة بمستشفى جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، جراء إصابته بالتهاب رئوي شديد، بدأ معه قبل تنويمه بثمانية أيام راجع خلالها المريض العديد من المستشفيات الأخرى، دون الوصول إلى التشخيص الصحيح، إلى أن وصل إلينا في حالة سيئة ومتأخرة للغاية، ولم يستجب المريض بسببها للعلاجات الداعمة حتى توفاه الله بعد دخوله بخمسة عشر يوماً. وتم تأكيد إصابة هذا المريض بالفيروس وتمكنا من عزله بمختبر الكائنات المعدية الخطرة بمركز الملك فهد للبحوث، ونجحنا في تحديد التسلسل الجيني له.
قطيع الإبل
وواصل: تمكنا برفقة فريق طبي متخصص من عزل هذا الفيروس من واحد من تسع جمال كان يملكها المريض (رحمه الله) وتم كذلك تحديد التسلسل الجيني لهذا الفيروس المعزول من الجمل والذي كان مطابقاً بنسبة 100% للفيروس المعزول من المريض، كما تم اكتشاف أجسام مضادة للفيروس في كامل قطيع الإبل والبالغ عددها تسعة ثبت أنها ظهرت لديها هذه الأجسام المضادة قبل إصابة مريضنا بالمرض، وعليه فقد أثبتنا ولأول مرة على مستوى العالم أن الجمل كان مصدر انتقال الفيروس للمريض.
انتقال المرض
واستطرد: تدل المعطيات الوبائية المتوفرة حتى الآن على أن الفيروس ينتقل عن طريق المخالطة المباشرة مع المريض المصاب، خصوصاً عن طريق استنشاق الرذاذ المتطاير منه عند كلامه أو سعاله أو عطاسه أو عن طريق لمس أدواته أو الأسطح الملوثة بإفرازاته، وكذلك فإن الفيروس ينتقل للإنسان عن طريق الاحتكاك المباشر مع جِمال مريضة بهذا الفيروس الذي يمكن أن يسبب أعراضاً شبيهة بالأعراض التي يصاب بها الإنسان، كالرشح والحمى، علما بأن أغلب الحالات المسجلة بالعالم انتقلت بين الناس من شخص إلى آخر ولم يكن لديها احتكاك مباشر بجِمال مريضة.
حليب الإبل
وعن خطورة شرب حليب الإبل، قال البروفيسور مدني: إلى الآن لم يثبت أن شرب حليب الإبل المصابة بميرس كورونا يمكن أن ينقل المرض، ولكن ينصح بشكل عام بعدم شرب حليب الإبل أو غيرها من الأنعام إلا بعد غليها، لقتل الجراثيم المعروفة الأخرى كالحمى المالطية التي تنتشر بشكل كبير في نجد والحجاز بسبب شيوع عادة شرب ألبان الإبل دون غلي.
وحول تسبب كورونا في مقتل الإبل، قال: لم يثبت تسببه في مقتلها حتى الآن، بل تصاب بزكام بسيط ينتهي من تلقاء نفسه دون مضاعفات.
مصل للفيروس
ونفى البروفيسور مدني إجراءهم أبحاثاً لاكتشاف مصل لحمى كورونا، وقال: لم نقم بإجراء الأبحاث الخاصة بالمصل، لعدم وجود الإمكانات المادية والقوى البشرية اللازمة لذلك، إلا أن البنية التحتية اللازمة من معامل للحيوانات ومختبر للفيروسات الخطرة متوفرة بمركز الملك فهد للبحوث بجامعة الملك عبدالعزيز ولكن يحتاج إلى دعم للقيام بذلك.
وعن الميزانية اللازمة لبدء الأبحاث الخاصة بالمصل قال: لا يمكن أن أحدد مبلغاً معيناً دون دراسة وافية، ولكن على سبيل المثال في ما يتعلق بكرسي الشيخ محمد حسين العامودي لدراسة حمى الخمرة النزفية التي تم اكتشافها في جدة سنة 1994م ثم في مكة سنة 2001م ثم في نجران من 2003 حتى الآن فقد تم دعم الكرسي البحثي بثمانية ملايين ريال من راعي الكرسي العلمي وتم خلال الخمس سنوات الماضية عزل الفيروس وتحديد تسلسله الجيني وخصائصه المختلفة والتنقل بين عدة مناطق في المملكة للكشف عن كل ما يتعلق بهذا المرض وتم نشر الكثير من الأبحاث النوعية في مجالات عالمية متخصصة.
تحور “كورونا”
وعن الوقت المتوقع لاكتشاف المصل الخاص بكورونا في حال بدأت الأبحاث، قال: لا يمكن الجزم بذلك لأن فيروس كورونا يتحور سريعاً ويغير من شكله بصورة يصعب معها تطوير لقاح له، إلا أنه يمكن من الناحية النظرية تطوير لقاح له يشبه لقاح الأنفلونزا يتم تحديثه دورياً، وهناك فيروسات أخرى مثل فيروس الضنك بسلالاته الأربعة لم ينجح العلماء في صنع لقاح فعال له بالرغم من المحاولات المستمرة على مدار أكثر من 20 عاما، ولكن هذا لا يعني أن نركن لذلك ونكتفي بالانتظار، بل يجب أن تعمل كل مراكز الأبحاث التي تملك القدرات الفنية والتقنية والمالية لاكتشاف مصل للمرض للوقاية منه أو استئصاله.